الزمن اللازم للقراءة: 4 دقيقة
متطوعيين لمواجهة التحرش الجنسي

المتطوعون، في الخطوط الأمامية ضد التحرش الجنسي.

تقرير
بقلم احمد حجاب
مجموعة من المتطوعين ضد التحرش في مصر
مجموعة من المتطوعين ضد التحرش في مصر المصور: كريم سعد

تعمل مجموعة من المؤسسات والمبادرات إلى جانب الفرق التطوعية كاستجابة لظاهرة التحرش، على نشر التوعية بجريمة التحرش الجنسي وآثارها النفسية والاجتماعية،

لم يكن مرور فتاة في العقد الثاني من عمرها في أحد الشوارع الرئيسية لمدينة كفر الشيخ مروراً اعتيادياً، المدينة التي تبعد شمالاً عن القاهرة 135 كم. أحد الشبان المتواجدين على الناحية المقابلة للشارع، كان له رأي آخر في مرور هذه الفتاة، التي لاحظت أن بقعة خضراء من أشعة اللّيزر تَجول على جسدها من الأعلى إلى الأسفل، ترافقها في خطواتها، وتتعمّد الإشارة إلى أماكن من جسدها كفتاة.

 

صرخت وطلبت منه التوقف، لكنه رد ضاحكاً، عبرت الطريق متوجهةً إليه، وحاولت جاهدة نزع هذه الأداة من يده وسط صراخها وغضبها الشديدين في وجهه، لكن دون جدوى. حاولت امرأة من المارّة الأخذ بيد الفتاة بعيداً، لتجنبها " شر الفضيحة" كما قالت، وسط استمرار الشاب بالتحرش بها وإصرار الفتاة بالوقوف في وجهه حتى لو كانت وحدها. تدخّل شاب يافع للمساعدة ولحق به رجلٌ آخر ترك زوجتَه وطفلتَه في الناحية المقابلة للشارع، وبدأ عراكٌ بالأيدي انتهى بتدخّل ممن كان في المكان، سائلين الرجل "هي قريبتك؟".

 

لم يحدث كل هذا في ساعة متأخرة، بل كان الجميع هناك، المارة، الجالسون على المقاهي، وشبان آخرون تحولوا جميعاَ إلى مجرد مشاهدين، ربما صمتهم عما جرى كان بالفعل الحدث الأكثر قسوة في هذه اللحظة.

 

لكن الحكاية لم تنتهي عند هذه الفتاة " منة"، لاحقاً ساهمت منى في تكوين فريق من المتطوعين في مدينة كفر الشيخ يعمل مع مبادرة "خريطة التحرش" وهي: مبادرة تطوعية، تأسست المبادرة في أواخر عام 2010، وتعمل على إنهاء التقبل المجتمعي للتحرش الجنسي في مصر، وخلق بيئة رافضة له.

 

على بعد 512 كم، لكن هذه المرّة جنوب القاهرة، وفي مدينة سوهاج تحديداً، بدأت ياسمين زيد أيضاً بتأسيس فريق من المتطوعين والتحقت بالعمل مع مبادرة " خريطة التحرش".تقول ياسمين: "في عام 2013 وبعد الثورة، لم أعد كما كنت من قبل، كل شيء ساهم في تكوين القيم، المبادئ، وحتى ما أؤمن به، كل شيء أصبح الآن تحت التساؤل. مبادرة "خريطة التحرش" كانت المكان الذي وفّر لي مساحة آمنة لأُعيد اكتشاف نفسي كأنثى، تعرّفت على حقوقي، وطرحت أفكاري بحرية وبدون قيود مسبقة." تتابع ياسمين: "العمل مع أشخاص يؤمنون بما يفعلون، يرفضون التحرش، ويسعون الى تغيير اجتماعي ذو قيمة عالية، هو عمل ممتع، أنا أنتمي إلى هنا، وهذه مجموعتي ولن أغادرها ابدا".

 

متطوعين من مبادرة خارطة تحرش
"خريطة التحرش" كانت المكان الذي وفّر لي مساحة آمنة لأُعيد اكتشاف نفسي كأنثى المصور: كريم سعد

 

في عام 2013، وتحت مظلة مشروع " مدن آمنة"، أصدرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة UN Women دراسة قامت بها بالاشتراك مع معهد التخطيط القومي، والمركز الديموغرافي بالقاهرة، قالت فيها :أن %99.3 من سيدات عيّنة البحث، قد تعرضوا للتحرش مرة واحدة على الأقل، وشملت الدّراسة كل أنواع التّحرش، اللفظي، الجسدي، الإيحاءات الجنسية، وأنواع أخرى عديدة.

 

غالباً ما تحدث حالات التحرش بشكل فردي، لكن التحرش الجماعي هو أكثرها خطورة، لما يرافقه من أذى جسدي ونفسي عنيف ومباشر، بالإضافة لدلالاته المقلقة على المستوى الاجتماعي.

 

تحدث حالات التحرّش الجماعي في الأماكن المزدحمة، والتجمعات التي يتواجد فيها الجنسين، على سبيل المثال: الأسواق، الساحات العامة، محطات القطارات (المترو)، وحتى الجامعات!

 

تعمل مجموعة من المؤسسات والمبادرات إلى جانب الفرق التطوعية كاستجابة لظاهرة التحرش، على نشر التوعية بجريمة التحرش الجنسي وآثارها النفسية والاجتماعية، مؤسسة بصمة الجديدة للتنمية على سبيل المثال، وضمن رؤيتها بإيجاد مجتمع تطوعي قادر على تكوين حلول مستدامة، تعمل على تنظيم عدد من الفعاليات لمكافحة التحرش الجماعي، والاعتداءات الجماعية التي تحدث خلال فترات الأعياد، كـ " دوريات التأمين" التي تعد جزء من فعاليات "عيد آمن"، يصاحب هذه الدوريات مجموعات توعية أيضاً، وتنسّق مؤسسة بصمة العديد من ورش العمل والتدريبات لمتطوعي دوريات التأمين هذه، لتضمن سلامتهم وكيفية التدخل الآمن في حالات الاعتداء الجنسي.

 

تدريبات المتطوعين لمواجهة حالات الإغتصاب
غالباً ما تحدث حالات التحرش بشكل فردي، لكن التحرش الجماعي هو أكثرها خطورة المصدر: مورّدة من حركة بصمة

 

يقول الأستاذ عبد الفتاح الشرقاوي رئيس مؤسسة بصمة: نسعى أن نقدم نموذج مشجّع، يمكن للناس من خلاله عدم التردد في مساعدة أي شخص يتعرض للاعتداء، أو التحرّش بكافة أشكاله، ومساعدة الشخص للوصول إلى أقرب قسم شرطة.

 

لم تقتصر الاستجابة على ظاهرة التحرش على إطلاق المبادرات وحملات التوعية فقط، وإنما وبعد عام 2013 ظهرت بعض مجموعات الدفاع عن النفس لمواجهة التحرّش بين الفتيات تسمى "الويندو"، الـ ويندو  WenDo  هو أحد أنواع فنون الدفاع عن النفس، وهو خاص بالفتيات ومصمم كي تكون الفتاة قادرة على الدفاع عن نفسها في مختلف حالات الاعتداء، ومنها التحرش الجسدي أو الاغتصاب، تمنح هذه التدريبات الفتاة الثقة بالنفس، وتساعدها في كسر حاجز الخوف، وتعطيها زمام المبادرة في المواقف الصعبة بدلاً من الاستسلام، أو القبول بالأمر الواقع.

 

نجح هذا النوع من الأنشطة بالانتشار في العديد من المدن الرئيسية كالقاهرة، المنصورة، الإسكندرية وغيرها، وجذب الكثير من الفتيات المتطوعات في مبادرات أو مؤسسات ضد التحرش.

 

تحمل ظاهرة التحرش خصوصية مجتمعية، كونها تضع مجموعة القيم والمبادئ التي تسود في مجتمع ما على المحك، وتعد أحد أهم المؤشرات الدالة على صحة هذا المجتمع ودليل على مكانة المرأة وسيادة القانون.

 

وبفضل الشبان والشابات المتطوعين، وانطلاقا من معاناتهم وتجاربهم الشخصية، تأسست الكثير من المبادرات والمؤسسات، وهي مستمرة اليوم في عملها نتيجة إيمان هؤلاء بضرورة نقاش القضايا في مجتمعهم بثقة، ونجحوا إلى حد بعيد بجلب هذه الظاهرة تحت الضوء، كي تكون محل للنقاش العام، ولعل أهم إنجاز هو الخروج من حالة الإنكار، إلى مرحلة العمل والتعامل مع المشكلة وجهاً لوجه.

عن: 
احمد حجاب