الزمن اللازم للقراءة: 5 دقيقة
نزع الألغام في ليبيا

الألغام في ليبيا ... عمليات الإزالة تتقدم.

مقالة خاصة
بقلم مات ناشد
قنبلة يدوية غير مفجورة
قنبلة يدوية غير مفجورة وجدها فريق ازالة الألغام، بمنظمة "الحقول الحرة، في تاورغاء الصورة موردة من مؤسسة "الحقول الحرة" 3F

فيما تهدف جهود التخلص من مخلفات الحرب إلى استعادة الأمن في بعض المساحات والأراضي المشتركة لليبيين من جميع أنحاء البلاد. مازالت الألغام والذخائر غير المنفجرة تهدد خطواتهم على الطريق.

لا يتذكر “الصيتي” سوى رائحة الموت من حفل زفاف صديقه الذي أقيم قرب المطار في مدينة بنغازي الليبية في التاسع من سبتمبر سنة 2015، عندما شهدت المدينة معركة دامية بين جماعات الميليشيات الإسلامية وما يسمى بالجيش الوطني الليبي التابع لخليفة حفتر.

 

ظل حفل الزفاف مناسبة سعيدة، إلى أن شوهد “إسماعيل” البالغ من العمر تسع سنوات يمشي مشية المحموم نحو الموكب. عندها هرع إليه “الصيتي” مع بقية ضيوف الحفل، فرأى أمعاء الصبي تتدلى على الأرض، فجال بصره حول المكان، ليلمح جسد طفله "أنس" البالغ من العمر 10 سنوات مشوه.

 

يسترجع الصيتي الحادثة قائلا: "رأيت ابني فاقدا الوعي وبعض أصابعه مفجرة، إذ بينما كان يلعب بجوار المدرسة رفقة "إسماعيل" وأربعة أولاد آخرين جدّ انفجار مفاجئ".

 

تمثلت الحادثة في انفجار لغم، أسفر عن مقتل اثنين من الأطفال على الفور. بينما هرع الجيش الوطني الليبي بباقي المصابين إلى أقرب مستشفى.وبقي "أنس" في العناية المركزة لمدة 22 يومًا قبل نقله إلى القاهرة ليتلقي المزيد من العلاج.

 

باتت الألغام والذخائر غير المنفجرة بقايا مميتة من الحرب في ليبيا. فوفقًا للمراقبين المحليين واللجنة الدولية للصليب الأحمر، تسببت الألغام في مقتل 145 شخصًا وإصابة 1465 آخرين سنة 2016.

 

كان العديد من الضحايا أطفال الصغار مثل "إسماعيل" و"أنس"، وآخرين كان أغلبهم من عمال إزالة الألغام الليبيين، لكنهم ربما لم يكونوا مجهزين أو مدربين بشكل جيد للقيام بهذه المهمة.

 

بعض باحات المدارس أصبحت خطيرة لأنها كانت مسرحا للاشتباكات العنيفة

 

دخل "مصباح رمضان"، عنصر من الجيش الوطني الليبي، إلى مدرسة في بنغازي في 24 ماي 2016. وعلى غرار معظم مزيلي الألغام، لم يكن لديه جهاز لكشف الألغام أو معدات واقية. ومع ذلك، تمكن من إزالة 13 لغماً إلا أن النيران التهمت المدخل. ثم شعر بنقرة تحت قدمه، وهو يحاول التراجع. وفي اتصال هاتفي مع زينيت قال رمضان "تفجرتُ بعد فترة من تواجدي هناك، لا أذكر غير صوت صياح أحدهم وهو يقول: "مصباح، ابق في الأسفل، لقد فقدت ساقيك".

نقل رمضان إلى المستشفى في غضون لحظات، وعلى الرغم من المأساة، يعتبر نفسه محظوظًا لأنه لم يمت.

 

وأثناء الحرب على بنغازي، قُتل ما لا يقل عن 50 من العاملين على إزالة الألغام أثناء أداء واجبهم، حسبما ذكر مصدر في الجيش الوطني الليبي لوكالة رويترز. والكثير منهم من أصدقاء "مصباح".

 

يدين معظم مؤيدي الجيش الوطني الليبي الجماعات المتطرفة مثل عناصر الدولة الإسلامية (داعش) بشأن وضع الألغام والأشراك الخداعية حول المدينة. لكن رمضان يقر بأن الجيش الوطني الليبي يستخدم الألغام أيضاً، وإن لم يكن بنفس الطريقة الوحشية التي تعتمدها الجماعات التي كانت تقاتلها، على حد قوله.

 

مهما كانت الحقيقة، فإن المدنيين هم الأكثر عرضة للخطر. لكن "أنس الجوري"، الذي يعمل في منظمة محلية تدعى "مؤسسة الأمل بنغازي"، محاولاً تقليل المخاطر. وباعتباره خبيرا في الصحة العامة، فهو يحذر المجتمعات المحلية من البقاء على مقربة من مخلفات الحرب. وأوضح أن بعض الأراضي والمدارس توصف بالخطيرة لأنها كانت مسرحًا للاشتباكات العنيفة.

 

يفيد "الجوري" قائلاً: "لقد زرت مختلف المدارس والمناطق لأحدّث قاطنيها عن خطر الألغام والذخيرة المهجورة، لكنني لا أقترب بنفسي من الألغام. يجب أن تكون مدرَّبًا جيدًا لإزالتها".

 

كان "محمد تركمان" أحد الرجال الليبيين الـ 12 الذين تم اختيارهم من قبل منظمات غير حكومية عدّة، وأُرسِلوا إلى كوسوفو في صيف عام 2017، لتعلم كيفية تصنيف الذخائر غير المنفجرة والتعامل معها بعد العثور عليها. تم تمويل التدريب من قبل الاتحاد الأوروبي عبر "المجموعة الدنماركية لإزالة الألغام "، وهي منظمة غير ربحية مقرها الدنمارك.

 

كان "تركمان" واحدًا من بين ثلاثة أشخاص أرسلتهم مؤسسة "الحقول الحرة"، وهي منظمة غير حكومية مقرها طرابلس، مختصة في التخلص من الذخائر غير المنفجرة. وسنة 2016، قامت المؤسسة بتوظيف تركمان لإعجابها بمؤهلاته الهندسية ودافعه الذاتي. "قيل لي إنني أكثر من مؤهل، لكني كنت فقط أريد إنقاذ الأرواح" يقول "تركمان".

 

في كوسوفو، شعر "تركمان" بتوتر قبل مقابلة المتدربين القادمين من بنغازي. وسبب ذلك أن الجيش الوطني الليبي كان في تلك الفترة، يتحكم في المدينة وعلى خلاف مع الحكومة المدعومة دوليًا في طرابلس. ومع دخول البلاد في دوامة حرب أهلية، كان يخشى أن يتعامل معه المتدربون كعدو، لكنه كان على خطأ.

 

يقول "تركمان": "لقد أصبحنا عائلة وتبادلنا قصص عن الحرب، وبنهاية التدريب، أدركنا كلنا أننا جميعاً من طرابلس وأننا جميعاً من بنغازي".

 

أصبح "تركمان" بعد تدريب كوسوفو، نائباً لرئيس فريقه في مؤسسة "الحقول الحرة"، وقد تلقى تدريبا إضافيا في كوسوفو في الشتاء الماضي، مما جعله قائد فريق مكلف بالتخلص من الذخائر غير المنفجرة.
 

العديد من المنظمات غير الحكومية التي تشتغل في مجال نزع الألغام في ليبيا

يشرح "لوتز كوسويسكي"، المهندس السابق في الجيش الألماني ومستشار في مؤسسة "الحقول الحرة"، أن لدى المنظمة فرق بحث في طرابلس ومصراتة، وخطا ساخنا يمكن للمدنيين الاتصال به إذا صادفوا بقايا الحرب. وقال أيضا إن المؤسسة تتطلع إلى توسيع عملياتها إلى مدينة ورشفانة ومدن الجنوب.

 

يقول تركمان إن المؤسسة قامت بإزالة 97 عبوة غير منفجرة في المدينة أزال هو نصفها تقريبا.

 

ويؤكد "تركمان" أن "العديد من المنظمات غير الحكومية التي تشتغل في مجال نزع الألغام في ليبيا، تركز أنشطتها في سرت وبنغازي حيث يوجد تلوث كبير بالألغام. ولكني أنصح مؤسسة الحقول الحرة بعدم إهمال المناطق الأخرى".

 

كما أن "تركمان" وزملاءه متعاونون مع بعضهم البعض. حيث يتواصل مع نظرائه في بنغازي للتشاور وتبادل الخبرات. فحسب قوله لا يمكن لأحد، أن يدعي أنه خبير عندما تكون الوضعية بهذه الخطورة. أيقن ذلك خاصة بعد أن فقد أحد اصدقائه عينه أثناء محاولته إزالة لغم في بنغازي في 23 نوفمبر. وقد أسفر ذات الانفجار عن مقتل شخص آخر.

"في هذا العمل، خطأ واحد، وتتناثر أشلاء جسدك".

ورغم المخاطر هناك الكثير من العمل للقيام به في المستقبل. فالصراع الليبي لم ينتهي، ومعظم المدن متقلبة للغاية، وخاصة طرابلس. ففي خريف عام 2018، تجددت الاشتباكات بين الميليشيات في العاصمة لعدة أسابيع، مما أسفر عن مقتل أكثر من 96 شخصا وتشريد مئات العائلات.
 
ويقول "تركمان" إن المؤسسة، قامت على إثر ذلك بإزالة 97 عبوة غير منفجرة في المدينة، تخلص هو من نصفها تقريبا. كقائد للفريق، يعتقد "تركمان" أن الطريقة الأمثل لإنقاذ الأرواح، هي حماية نفسه والمحافظة على حياته أولا. وذكر في تصريح لزينيت "عليك أن تفكر جيداً قبل اتخاذ أي خطوة، في هذا العمل، خطأ واحد، وتتناثر أشلاء جسدك".

عن: 
مات ناشد