الزمن اللازم للقراءة: 6 دقيقة
التربية المدنية

الخروج عن المألوف

مقالة خاصة
مادة اعلانية
من ورشات العمل على التعليم المدني
التربية المدنية تتجاوز الطرق التقليدية في التعليم من خلال تقديم مفهوم التقييم الذاتي ضمن المجموعة المصور: ابلا محمد معهد جوته

 عمليّة تدريب جريئة لتمكين المواطنين في مصر من خلال مواجهة الأحكام المسبقة وتطوير طرق عملهم. لأن تقبل الاختلاف ضروري لتحقيق التعايش الاجتماعي

عندما يأتي المدرّبون الخبراء من ألمانيا ليقيموا ورشة عمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يكون التوقّع السائد أنّهم سيأتون محمّلين بكومات من التقارير وملخصات الدروس الواضحة. لذا كان من المفاجئ قدوم مدرّبين من أجل دورة الديمقراطيّة والتقبّل في التربية المدنيّة إلى معهد جوته في مصر وهم عازمون على "التعليم عن طريق التشويق"، وقد جعلوا المشتركين ينخرطون في مناقشات تعكس أحكامهم المسبقة الخاصّة بدلًا من تزويدهم بالتقارير. يقول محمّد بيار وهو قائد منظّمة غير حكوميّة في الإسكندريّة إنّ الفكرة لم تنل اعجاب معظم الناس. "كنّا ننتظر محتوًى أكاديميًّا لدورة تعليميّة. غير أنّنا أُجبِرنا بدلاً من ذلك على تقييم أنفسنا أوّلًا لننتقل بعدئذ إلى التفكير في التغييرات الهيكليّة التي يمكننا أن نجريها."

 

ويفيد "فلوريان ونزل" من مركز بحوث السياسات التطبيقية في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ، وهو أحد المدرّبين ومصمّمي الدورة، بأنّ استهجان هذا النوع من الدورات يعود جزئيًّا إلى نظام التعليم الصارم في مصر، حيث ينظر معظم المصريّين إلى التربية والتعليم على انها عمليّة تلقينيّة، يتلقّون من خلالها الوقائع والأجوبة من قِبَل خبير بطريقة تعتمد على تمرير المعلومات بشكل أحاديّ الاتّجاه. "جعلنا المشتركين يواجهون عمليّات فريقهم وينخرطون في أمور غير متوقّعة،
باستخدام مقاربة براغماتيّة. وبهذه الطريقة حاولنا أن نستخدم جلسات ورشة عملنا كنموذج للمجتمع بأكمله."

 

كيفيه التعامل مع اراء الاقليات

 

وحثّت دورة التربية المدنيّة تلك، المشاركين على معالجة مسائل شائكة ككيفيّة التعامل مع آراء معارضة وأحكامهم المسبقة عن الآخرين، كما شدّدت على أنّ التقبّل هو مبدأ أساسيّ في أيّ عمليّة ديمقراطيّة سواء كان اتّخاذ القرار يتمّ على مستوى سياسيّ أو ببساطة ضمن منظّمة. وتبقى الحاجة إلى ذلك ماسّة في بلد لا يتمتع بخبرة كبيرة في الديمقراطيّة – الحرّيّات الإيجابيّة إضافة إلى الأوجه الصعبة للحرّيّة الديمقراطيّة كتقبّل الاختلاف وقبول الآراء المعارضة، على حدّ قول ونزل. ويضيف إنّ الناشطين الذين كانوا يعارضون بإصرار حكم الرئيس مبارك الاستبداديّ لم يبحثوا هم أيضًا في هذه الأمور في العمليّات الداخليّة ضمن منظّماتهم غير الحكوميّة، كالتعامل مع آراء الأقلّيّة ضمن منظّماتهم. "كانت ديمقراطيّتهم أحاديّة الجانب إلى حدّ كبير، وهذا يعكس في الأساس الوضع في مصر."

 

اكتساب الخبرات من التجارب الفاشله

 

غير أنّ المقاربة الشخصيّة طالبت المشاركين بأن يفكّروا بما يحفّزهم وبشغفهم – أسئلة مهمّة في بلد يُعتبر فيه العمل في المجتمع المدنيّ ليس فقط صعبًا؛ بل خطير. بسمة متولّي، تعمل في منطقة سيوة الضعيفة اقتصاديًّا غرب مصر، تعطي الفضلَ للدورات في مساعدتها على إدراك سبب الفشل الذريع لمبادرة سابقة أطلقتها، لتمكين النساء، نتيجة لخلاف وقع بين أعضاء فريق العمل التي اختارته. خلال دورة التربية المدنيّة، طلب المدرّب من المشتركين أن يتساءلوا عما إذا كانوا يقومون بما يجعلهم سعداء بالفعل أو أنّ ثمّة محفّز خارجي. وقد كانت هذه عمليّة تفكير صائبة بالنسبة لمتولّي التي قالت: "جعلَتني الدورة أدرك أنّني صمّمتُ مشروع يتمحور حول نقاط قوة أعضاء فريقي وليس نقاط قوتي أنا – لم أصمّم المشروع الذي كنت أرغب به."

 

في نهاية التدريب، أعادت متولّي صياغة مبادرتها التي باتت توفّر تدريبًا، شبيهًا بالذي تلقّته في معهد غوته، للنساء في سيوة؛ وتعلّمهنّ طريقة تصوّر وتصميم مبادراتهنّ الخاصّة وطريقة البحث عن تمويل وكيفيّة إشراك أصحاب المصالح – في منطقة تقلّ فيها الفرص الاقتصاديّة للنساء.

 

كثيرون ممّن تلقّوا تدريبات التربية المدنيّة، التي أصبحت تقام سنويًّا منذ عام ٢٠١٤، راحوا يصمّمون ورشات عمل مماثلة، ويعيدون تشكيلها بما يلاءم احتياجات مجتمعاتهم. أحد المشتركين قام بتعليم ورشات عمل في مسقط رأسه المنيا، ويودّ أن يرى تدريبات أكثر تواتراً، فهو يؤمن بأنّها تساعد المجتمع على التغيّر لاسيّما من خلال التوعية على قضايا الاختلاف.

 

تشهد المنيا صراعات كثيرة بين المسلمين والمسيحيّين الأقباط. "وهذا الصراع سببه أنّ معظم الناس لا يؤمنون بالاختلاف وبأنّ الآخرين يتمتّعون بالحقوق ذاتها في العيش وممارسة دينهم. المشكلة ذاتها قائمة في النزاعات بين مختلف الفئات السياسيّة. تتمحور التربية المدنيّة حول هذه المسألة، ومن بين الأمور التي يمكننا تحقيقها، نشر التفاهم الطبيعيّ لمساعدة أعضاء المجتمع على تفهّم بعضهم البعض."

 

وتقول الدكتورة "ألكه كاشل موهني"، المديرة الاقليميّة لمعهد جوته في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنّ جزءًا مّما يجعل ورشات العمل فعّالة هو اختيار أشخاص مناسبين للمشاركة، يصبحون بدورهم عوامل مضاعفة أو يتّخذون موقفًا معيّنًا حيث يمكنهم أن يبرزوا. "وتبقى الأهمّيّة في إتقان اختيار من يشارك وكيف سينتقل هذا إلى نطاق أكثر تأثيرًا."

 

إقامة شبكات من أجل التغيير

 

غالبًا ما تواجه المنظّمات التي تروّج للتربية المدنيّة في العالم العربيّ ضغوطات سياسيّة. ويبقى الربط بين المنظّمات غير الحكوميّة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ذاتها وبينها وبين أمثالها في أوروبا من الطرق التي تساعد على نشر الخبرة والموارد.

 

على الرغم من التغيّرات التدريجيّة التي شهدتها عدد من الدول في العالم العربيّ منذ العام ٢٠١١، بما في ذلك الثورات في تونس ومصر، أصبح من المعروف أنّ الانتقال إلى الحكم الديمقراطيّ ليس بالأمر السهل، كذلك من الصعب إيجاد أصحاب السلطة المستعدين للرحيل بصمت. كما أن دول عربية عديدة شهدت بزوغ قوى مناهضة للثورات منذ ذلك العام، في محاولة من السلطات التقليديّة لإعادة التأكيد على مكانتها وقمع حريّة التعبير وتكوين الجمعيات.

 

معاذ علي، ناشط مخضرم في مكافحة الفساد في تونس وناشط في منظّمة غير حكوميّة تركّز على حقوق الإنسان، يقول بلهجة حادة، واصفاً الديناميكية السياسيّة. "تودّ أنظمة الحكم في العالم العربي أن يكون لها اتباع، لا يريدون مواطنين يعرفون حقوقهم."

 

ويبقى الأمر بالنسبة لعلي وغيره من ناشطي المجتمع المدني تحدّيًا يواجهونه في الطليعة. رؤيتهم هي المشاركة في تطبيق ديمقراطيّات مستدامة حيث يعيش المواطنون فيها أحرارًا يتمتّعون بحريّة التعبير وان يكونوا مشاركين بكلّ ما للكلمة من معنى. وقد أطلق معهد جوته عددًا من المبادرات في السنوات الماضية بهدف دعم مكانة المجتمع المدنيّ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما يشمل مؤتمرين حول التربية المدنيّة في الإسكندريّة في العام ٢٠١٣ وفي مدينة الحمامات في تونس في العام ٢٠١٦. وقد تمّ تنظيمها بالتنسيق مع الوكالة الالمانيّة الاتحادية للتربية المدنية (BPB).

 

وكان تشكيل منظّمة شبكة التربية المدنية العربية (NACE) أحد نتائج المؤتمر الذي عقد في العام ٢٠١٦. هذه المنظّمة شكلت بمساعدة الوكالة الالمانيّة الاتحادية للتربية المدنية مع مختلف الشركاء العرب والأوروبيين بما يشمل معهد جوته. وتربط هذه الشبكة المنظّمات غير الحكوميّة ضمن العالم العربيّ مع بعضها البعض، فتتيح لهم تبادل الموارد والخبرات، كما تربطها بنظيراتها في أوروبا، تسليماً بأنّ بعض المشاكل – كالهجرة والتطرّف – مشتركة بين بلاد البحر الأبيض المتوسّط الشماليّة والجنوبيّة. هي أيضًا تربط المنظّمات غير الحكوميّة العربيّة بمنظّمات أوروبيّة، من بينها منظّمات غير حكوميّة في أوروبا الشرقيّة حيث انتقلت البلاد إلى الديمقراطيّة بعد العام ١٩٩٠، وهذه المنظمات قادرة على توفير أفكار عن الدروس التي تلقّنتها كجزء من هذه العمليّة. كذلك، فإنّ الشبكة تشكّل أداة قويّة للتوعية حول أهمّيّة التعليم المدنيّ. هذا بحسب لويزا سلاڤكوڤا، وهي واحدة من الأعضاء المؤسّسين ومديرة "منصّة صوفيا" وهي منظّمة بلغاريّة تروّج للديمقراطيّة.

 

وفي غضون ذلك، تجري هذه التطوّرات بالتزامن مع الوعي المتزايد لدى المواطنين في الغرب (الاتّحاد الأوروبيّ والولايات المتّحدة) بأنّ الثقافة الديمقراطيّة في بلادهم ليست مكفولة، بل يمكن أن تتآكل من خلال النزعة الشعبيّة والقوميّة. كما ان اللامبالاة تشكل تهديدًا إضافيًّا. تقول منى شاهين، مؤسّسة صالون التحرير في معهد غوته، عن تجربتها عندما تمت دعوتها إلى مدارس وجامعات ألمانيّة لتتحدّث عن الثورة المصريّة في العام ٢٠١١. " تفاجأتُ حين وجدتُ أنّ عددًا كبيرًا من الشباب (في ألمانيا) لا يشعرون بأهمّيّة المشاركة السياسيّة. قلْتُ لهم "أتنم تملكون شيئًا يجب عليكم أن تحترموه وتحافظوا عليه". ثمّة دروس كثيرة نحتاج أن نتعلّمها من بعضنا البعض."


قام بإعداد هذا المقال طاقم مجلة زينيت لصالح معهد غوته. مشروع "شراكة التحويل" الذي يقوم به معهد غوته، مدعوم من قبل وزارة الخارجية الألمانية الاتحادية.

لمزيد من المعلومات يرجى زيارة: www.goethe.de/cec

 

عن: 
فريق زينيت