الزمن اللازم للقراءة: 5 دقيقة
مصر وبرامج السخرية السياسية

ممنوع الضحك في "موسم الشر" .. معروفة!

مقالة
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في زيارته إلى روسيا موردة: من موقع الرئاسة الروسية

في كل دول العالم –المتحضر والديمقراطي– تعد برامج السخرية (Satire) وسيلة لمناقشة مواضيع سياسية واجتماعية وغيرها، وايصالها لعامة الشعب بقالب مضحك، نوعاً ما..... بس عندنا "إمنعو الضحك"!

ببساطة كانت السخرية السياسية من أهم، ان لم تكن الأهم على الاطلاق، أدوات نشر الوعي السياسي وتوجيه الانتقادات للسلطة المصرية، خاصة اثناء وبعد ثورة ٢٥ يناير. لقد تقبّل الشعب المصري المادة السياسية، الثقيلة، عندما كانت تقدّم في شكل نكتة، وبدأ في الابداع لصياغة الأحداث السياسية بشكل فكاهي هزلي.

 

رجوعا بالذاكرة، نجد أن من أكثر البرامج الناجحة منذ ثورة يناير، والتي جذبت اهتمام قطاعات واسعة من المشاهدين، كان برنامج "البرنامج" لباسم يوسف. ولعل نقد باسم يوسف ل"جهاز الكفتة" كان من أبرز المواقف المعارضة لعبثية المشهد السياسي في مصر.

لقد تم إيقاف باسم يوسف وبرنامجه! كما تم أيضا حذف حلقات برنامج "أبله فاهيتا" من على الحساب الرسمي بموقع "يوتيوب"، رغم ان فاهيتا لم تحاول معارضة النظام ودمياته! لقد تم تكميم العديد من الأفواه ولازال المسئولين يدلون بتصريحات اعتباطية وتقوم الحكومة بتشريع قوانين تعسفية.

 

في حقيقة الأمر، أن متابعة الأخبار مؤخرا تعكس واقع فوضوي لا يمكن التفاعل معه إلا عن طريق الكوميديا السوداء. لا يتسع هذا المقال لسرد كل الاخبار العبثية؛ ولكن سنحاول أن نلقي نظرة على شهر يوليو، ونبدأ بالمهندس طارق (م/ طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية الحالي) قبل ما "يزود البنزين"، من غير قلق حسب ما طلب منه الرئيس، بشكل (هزار)، في المؤتمر الوطني السادس للشباب. يا بشمهندس.. لا نقدر أن نتحمل زيادة أخرى في أسعار الوقود بعد زيادات يونيو ٢٠١٨!!!

 

يظل المسؤولين جزء من الشعب خفيف الظل، من الرئيس للوزراء للواءات. فلم يكن الرئيس أول من تحدث عن تحدي "كيكي" في مؤتمر الشباب، فقد سبقه اللواء مجدي شاهين، الخبير المروري. حيث عبّر اللواء مجدي شاهين عن قلقه البالغ من تحدي "كيكي" (على أغنية “In my feelings” لمغني الراب الكندي Drake)، وحذر المواطنين من هذا التحدي الخطير الذي قد يستغله "الإخوة أصحاب التخريب."

 

وأضاف اللواء شاهين، في حديثه مع الإعلامي نشأت الديهي في برنامج بالورقة والقلم، أن التحدي الذي شارك فيه عدد من المصريين سيسبب "فوضي مرورية عارمة"!!.  يبدو أن اللواء شاهين قد بالغ في الأمر، لأن المصريين الذين شاركوا في التحدي لم يتخطوا ١٠٠ مواطن، أغلبهم يسكنون "الكومباوندس".

 

ولكن قرّر اللواء شاهين أن يهدد الذين شاركوا في التحدي ويذكرهم بأن: من يقوم بتحدي كيكي يقع تحت طائلة القانون، وأرجع ذلك لنص المادة ٨١ مكرر ٢ من قانون المرور رقم ٦٦ لسنة ١٩٧٣ على أنه: "يعاقب كل من قام بغلق مكان، أو اقتطاع، أو احتجاز، أو منع استخدام جزء من نهر الطريق بشكل يؤدي إلى تضييقه، وإعاقة المرور، أو تعريض الأرواح أو الأموال للخطر، بالحبس لمدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه، ولا تزيد على ثلاثة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين."

 

هل يعلم اللواء مجدي شاهين أن مصر تحتل بالفعل، وقبل تحدي "كيكي"، المركز ٧٥ من أصل ١٣٧ دولة في جودة الطرق حسب تقرير التنافسية العالمية لعام ٢٠١٧-٢٠١٨؟ أصحاب التخريب هم من فسدوا وأفسدوا البنية التحتية وبالتالي تعاني شوارع القاهرة من فوضى مرورية كل يومين. يا سيادة اللواء.. كيكي مش السبب!

 

حقيقة، المشكلة لم تكن في تحدي "كيكي" الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن الحقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي هي ذاتها التي تؤرق الحكومة، فتقف مؤسسات الدولة كلها على قلب راجل واحد ضد الفيس بوك و"أهل الشر" المروجين للشائعات و"الأخبار الكاذبة" على شبكات التواصل الاجتماعي.

 

وبالتالي في منتصف يوليو أكدا رئيس مجلس النواب الدكتور علي عبد العال والنائب أسامة هيكل تمسكهم الشديد بأهمية الفقرة الثانية من المادة ١٩ التي تنص على " على انه يحظر على الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية أو الموقع الالكتروني، نشر أو بث أخبارً كاذبة أو ما يدعـــو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين أو يدعو إلى العنصرية أو التعصب أو يتضمن طعناً في أعراض الأفراد أو سباً أو قذفاً لهم أو امتهانا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية.

 

العبقرية في (الفقرة الثانية) ويلتزم بأحكام هذه المادة كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف (٥٠٠٠) متابع أو أكثر." لماذا رقم ٥٠٠٠؟ نعيش في دولة يصل تعداد سكانها ١٠٠ مليون نسمة، فهل تأثير حساب ما على ٥٠٠٠ شخص سيحدث بلبلة بأي شكل، على فرض انهم جميعا شخصيات حقيقة وفاعلة على شبكات التواصل الاجتماعي؟ هل تخاف الحكومة حقا من تكرار الحشد على وسائل التواصل فتقوم ثورة جديدة؟ سيدي الرئيس "الكلام اللي اتعمل من ٧-٨ سنين مش هيتكرر تاني"، لقد أدركنا أن "أهل الشر" أقوى...

 

وبما أن مشكلة الحكومة هي شبكات التواصل الاجتماعي نفسها، فلن تكون الأخبار صادمة عندما نعرف أنه في يوليو أيضا تم اصدار قانون جرائم تقنية المعلومات، المعروف إعلاميا باسم قانون جرائم الانترنت، والذي بمقتضاه قد يتم اعتقال وسجن أي شخص يقوم بنشر أخبار "كاذبة" أو منشورات "تحرض على القيم الأسرية للمجتمع المصري" (المادة 50) أو "تضر بالأمن القومي." حسنا! أي كلمة تكتب على وسائل التواصل الاجتماعي قد تقع تحت طائلة القانون وبالتالي البلد كلها في خطر، ، فقط الأجهزة الأمنية تقرر من "عليه الدور."

 

ضع في السياق نفسه حرص النائب رياض عبد الستار، عضو البرلمان عن حزب المصريين الاحرار، في ابريل العام الماضي على حماية مقدرات الوطن من الفيس بوك، فقام باقتراح مشروع قانون ضمن تنظيم الدخول على الحساب باستخدام بطاقة الرقم القومي، ورقم الموبايل. للأسف لم يقم البرلمان بتمرير الاقتراح العظيم!

 

غلق المتنفس الوحيد للشعب المصري، وسائل التواصل الاجتماعي، جاء بعد غلق المساحات العامة. ولكن هناك ثغرة لم يكن هناك قرار رسمي لغلقها؛ ولكن، الحمد لله، قام رئيس مجلس الوزراء بسدها تماما، لأن الدولة تواجه الإرهاب كما نعلم جميعا!

 

فقد طلّ رئيس مجلس الوزراء علينا بقرار رقم ١٢٣٨، المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ ١٢ يوليو ٢٠١٨، لتنظيم أو إقامة (بالأحرى السيطرة على) الحفلات والمهرجانات الثقافية. وأصبح تنظيم أي حفلة تقيمها الجهات الحكومية أو غير الحكومية يجب ان ينسّق مع "الجهات المعنية"، والتي أوضح القرار ذاته بأنها ستكون من خلال لجنة برئاسة وزير الثقافة، وعضوية ممثلي ٨ وزارات وهم (الداخلية – الآثار – الخارجية – المالية – السياحة – الطيران المدني – الشباب والرياضة – التنمية المحلية). 

 

وخلال البحث عما تبقى من وزارات، حتى نضمن تمثيل عادل لجميع الوزارات، خاصة الدفاع والاعلام في مثل تلك القرارات الفارقة في مستقبل البلاد! اتضح لنا اثناء البحث ان هناك أمر آخر لافت للنظر، وهو أن وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم، على ما يبدو، لم تقرأ القرار؛ حيث صرحت بان القرار يسري على جميع المهرجانات التي تدعمها الوزارة لوجستيا وماديا دون غيرها ولا يسري علي الحفلات الخاصة.

وبالرجوع مرة أخرى إلى القرار، وجدنا ان نص المادة الأول، ليس الأخير، يعرف المهرجانات والاحتفالات على انها "جميع الفعاليات الثقافية والفنية ذات الطابع الاحتفالي سواء كانت دولية أو محلية، التي تقيمها الجهات الحكومية أو غير الحكومية، بغرض تنمية الابداع والحفاظ على الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة. "! واضح ان الحكومة ليست على قلب رجل واحد ضد الثقافة الابداع، وبالتالي يجب أن تتقابل الوزيرة مع رئيس الوزراء (أو من قام بالفعل بصياغة القرار) وتحديد موقفهم من الفعاليات الثقافية التي قد تضر البلاد!

 

أخيرا أوجه رسالة لأبانا الذي في الرئاسة، بما أنه يلقبنا دائما بأبنائه وبناته، هلّا تترك لنا النكتة، من فضلك؟ لم يعد لدينا سواها في "موسم الشر" التي تمر به البلاد الآن!

عن: 
ماجدولين هرمينا