الزمن اللازم للقراءة: 5 دقيقة
الجيش السوداني ينقلب على البشير

تغيير مواقف او اقنعة!

مقالة
من مظاهرات برلين دعماً للسودان
المصور: حسام الحملاوي موردة من موقع Flickr http://bit.ly/2VU55vx

بعد إعلانه دعم الرئيس السوداني "عمر البشير"، فاجأ وزير الدفاع السوداني "عوض بن عوف" السودانيين بإعلانه اعتقال البشير وتشكيل مجلس انتقالي للبلاد، نزولاً عند رغبة المتظاهرين.

كان وزير الدفاع السوداني الفريق أول ركن "عوض محمد أحمد بن عوف" قد تسلم مهام النائب الأول لرئيس الجمهورية في الخامس والعشرين من فبراير الماضي. وفي ١١ ابريل الجاري، أعلن من خلال بيان تلاه على التلفزيون الرسمي، اقتلاع النظام الحاكم والتحفظ على البشير في مكان آمن، كما أعلن تشكيل مجلس عسكري انتقالي برئاسته يتولى إدارة حكم البلاد لفترة انتقالية مدتها عامين، وينوبه فيه رئيس الأركان الفريق أول ركن "كمال عبد المعروف الماحي".

 

وقد أشاد "بن عوف" خلال "بيان الانقلاب" بالمظاهرات التي وصفها بالسلمية، وهو ما يختلف مع ما سبق وقد أعلنه في ٣٠ يناير ٢٠١٩ خلال كلمة ألقاها أمام ضباط أكاديمية نميري العسكرية العليا، مع بداية الاحتجاجات، إن "القوات المسلحة تعي تماما كل المخططات والسناريوهات التي تم إعدادها لاستغلال الظروف الاقتصادية الراهنة ضد أمن البلاد عبر ما يسمى بالانتفاضة المحمية، وتدرك سعي البعض لاستفزاز القوات المسلحة وسوقها نحو سلوك غير منطقي ولا يليق بمكانتها وتاريخها". بحسب ما نقلته سكاي نيوز عربية.

 

وقد أثار موقف وزير الدفاع السوداني، الذي أكّد على التفاف القوات المسلحة حول الرئيس البشير في بدايات الاحتجاجات، استياء بعض ضباط القوات المسلحة، الذين أعلنوا بعده تضامنهم مع المحتجين، مثل النقيب "الرازى الجميعابي" الذي كتب منشورًا على صفحته في فيسبوك في ١٦ يناير ٢٠١٩، وصف فيه موقف قيادات القوات المسلحة من الاحتجاجات بـ"المتخاذل" ووصف بيانها بـ"الهزيل".

 

وكتب في منشوره: "إنني أعرف عددًا من افراد القوات المسلحة (ضباطًا ورتب أخرى)، بعد انتهاء دوامهم، يرتدون ملابسهم المدنية، ويشاركون الناس (في المظاهرات) في المطالبة بالعيش الكريم والحقوق المشروعة." مما أدى إلى اعتقاله هو وآخرين، ممن أيدوا الحراك الشعبي، مثل المقدم ركن عمر أحمد أرباب، قبطان اليخت الرئاسي، بحسب الإعلامي السوداني خالد عويس.

 

وقد أظهر مقطع مصور على "قناة الجزيرة مباشر" في ٢٠ ديسمبر ٢٠١٨ بعض قوات من الجيش السوداني تقوم بتحية المتظاهرين ضمن الاحتجاجات. مما يظهر أن المواقف الفردية لضباط وأفراد القوات المسلحة اختلفت مع موقف القيادات منذ بداية الاحتجاجات.

 

وبعد دعوة "تجمع المهنيين السودانيين" المتظاهرين الجاري إلى الاعتصام أمام مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة، في السادس من ابريل، للمطالبة بإسقاط النظام، تزامنًا مع ذكرى سقوط نظام النميري في ٦ أبريل ١٩٨٥. تعرض المعتصمين للاعتداء من قبل قوات الأمن، باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع، خلال أول وثاني أيام الاعتصام، كما أكد "بوشيه"، أحد المعتصمين، وكان ذلك على مرأى من قوات الجيش، والتي لم تتدخل بشكل رسمي في ذلك الوقت.

 

يقول " عبد الرحمن كمال" أحد المعتصمين "أن التضامن من جهة القوات في اليوم الأول كان فردي، وجاء من بعض ضباط وجنود الجيش، وعلى وجه التحديد القوات البحرية"، ويضيف: "معظم من خالف التعليمات، وقام بحماية المعتصمين، وردّ إطلاق النار على الأجهزة الامنية التي حاولت فض الاعتصام، هم من القوات البحرية. ولكن بعد ذلك، قام الجيش، بمختلف قواته، بحماية المعتصمين."

 

وقد ادلت الصحفية "سناء" -اسم مستعار- بشهادتها من داخل اعتصام الخرطوم، قائلة: "إن المتظاهرين استطاعوا الوصول إلى مبنى القيادة العامة، في أول أيام الاعتصام، بفضل النقيب "حامد عثمان"، الذي تصدى للأجهزة الأمنية وشرطة مكافحة الشغب التي كانت تعتدي على الموكب الزاحف إلى مقر القيادة، فما كان من النقيب إلا أن قام بفتح النار تجاه المعتدين، مما اتاح للمتظاهرين النفاذ إلى القيادة."

 

وأوضح "بوشيه" إن التضامن الكامل من جهة القوات المسلحة ظهر في ثالث أيام الاعتصام. "في فجر الثامن من أبريل قام ضباط وأفراد قوات البحرية بحمايتنا، عندما شنت قوات الأمن هجوم علينا بالرصاص الحي مرديين اثنان من الثوار على مرأى عيني."

 

تضيف سناء: "إن القوات الأمنية في الأيام التالية أصبحت تهاجم المتظاهرين والجيش معًا، مما أثار حفيظة القوات المسلحة."

 

ومع سقوط ٥ ضحايا من الجيش، اثير سخط كبير في وسط كتائب الجيش. الأمر الذي أدى إلى تخوّف القيادات المتحالفة مع نظام البشير من حدوث انقلاب من جهة صغار الضباط، فصدرت تعليمات يوم ١٠ ابريل بتجريد القوات أمام مقر القيادة من أسلحتهم الثقيلة. حينها بدأت الجهات الأمنية وقوات مكافحة الشغب هجوم كبير على الاعتصام، أسقط جرحى وشهداء، فقام صغار الضباط بالتوجه داخل المقر لمطالبة الرتب العليا بالتسليح، وأمر حينئذ أحد العمداء بخروج رشاشات الدوشكا واعطي امر بإطلاق النار.

 

لاحقًا، يوم الخميس ١١ ابريل، صدر بيان تنحية الرئيس البشير، وتشكيل المجلس العسكري الانتقالي. وقابل المعتصمين هذا البيان بالرفض، معتبرين أن القرارات التي جاءت بالبيان لم ترقى لمطالب الاحتجاجات، وأصدر "تجمع المهنيين السودانيين" الذي يقود الحراك بيانًا رافضًا، حيث اعتبر أن ما حدث "لم يكن سوى تبديل أقنعة لنفس النظام الذي خرج الشعب ثائراً عليه وساعياً لإسقاطه واقتلاعه من جذوره." بحسب نص البيان.

 

وفي أعقاب الرفض الشعبي الذي تمثل في استمرار الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، أعلن رئيس المجلس الانتقالي العسكري "عوض بن عوف" تخليه عن المنصب، وتولي المفتش العام للجيش الفريق "عبد الفتاح البرهان" رئاسة المجلس خلفًا له، كما أعفي الفريق "كمال الماحي" من منصبه كنائب لرئيس المجلس العسكري.

 

وفي ظل استمرار الاحتجاجات، قام وفد من "قوى إعلان الحرية والتغيير" وهو الكيان الممثل لجموع المعتصمين والثوار في أنحاء السودان، بلقاء قيادة القوات المسلحة يوم السبت ١٣ ابريل. استمع الوفد إلى توضيح حول الخطوات التي قامت بها المؤسسة العسكرية، كما قدم الوفد توصياته للخطوات المطلوبة من أجل تعزيز الثقة بين الطرفين، وذلك بحسب ما نشرته صفحة الفيسبوك الخاصة بـ"تجمع المهنيين السودانيين"، أحد القوى التي قامت بالتوقيع على اعلان الحرية والتغيير في الأول من يناير ٢٠١٩ بالإضافة إلى: الإجماع الوطني، نداء السودان، والتجمع الاتحادي المعارض.

 

وقد شملت المطالب ١٠ نقاط أهمها: حل المؤتمر الوطني، حل جهاز الأمن، إلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات. كما أكد البيان أن الاعتصام هو الضامن لتنفيذ إرادة الشعب. وقد أبدى المجلس العسكري الانتقالي خلال اللقاء تأييده لمقترح قوى المعارضة بتولي شخصية مدنية رئاسة الحكومة، بحسب سكاي نيوز.

 

الجدير بالذكر ان الاعتصام ما زال مستمراً، ويبدو انه لن ينحلّ في وقت قريب، حيث تم انشاء منصة لإلقاء الخطابات وعرض فقرات مسرحية وأدبية، يعرض جدولها "تجمع المهنيين" على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي. كما تم تزويد ساحة الاعتصام بالمبردات وغيرها من العناصر التي تؤشر إلى استمرارية الاعتصام.

عن: 
نهلة النمر