الزمن اللازم للقراءة: 6 دقيقة
منظومة الأمن السودانية في مواجهة المظاهرات

مظاهرات السودان في مواجهة الأمن

تقرير
عمر البشير
موردة من موقع Flicker https://bit.ly/2X7sZUu

في موجة متصاعدة من الاحتجاجات، خرج المئات في السودان مطالبين بتنحي البشير على أثر ارتفاع الأسعار وتردي الأحوال المعيشية، وقد قامت الأجهزة الأمنية بالتصدي للاحتجاجات، وأثار انضمام عناصر مدنية وملثمين إلى القوات النظامية تساؤلات عن هوية هؤلاء العناصر.

وفقًا لقانون الاجراءات الجنائية في السودان فإن التعامل مع المظاهرات يقع ضمن اختصاص الشرطة إن جنحت إلى العنف.

 

استخدمت الشرطة السودانية خلال الأيام الأولى من الاحتجاجات الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، وانتقدت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة طريقة تعامل السلطات في السودان مع الاحتجاجات، في حين قال المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني "صلاح قوش"، خلال أولى تصريحاته بعد اندلاع الاحتجاجات: "إن التعامل مع الأحداث جاء ببرود شديد" وأضاف: "لم نصدر أية تعليمات بالتعامل العنيف مع الذين خرجوا بسبب قضية نحن معترفون بها، لكن المنطق أن يعبروا عن رأيهم بشكل حضاري." مردفاً: "لن نقف متفرجين، أو مكتوفي الأيدي، وسنتعامل مع التخريب بحسم شديد." بحسب إرم نيوز.

 

وقد وجهت منظمة العفو الدولية اتهامات للشرطة باستخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين، وهو ما نفته أجهزة الأمن، وأوضح صلاح قوش أن أفراد الشرطة استخدموا الرصاص بعد أن دخل المخربون إلى مقار الشرطة، بحسب عربي بوست، بينما صرحت المنظمة في ١١ فبراير الماضي، إن عدد القتلى بلغ ٥١ منذ بداية الأحداث، إضافة إلى سقوط ٦ قتلى ضحايا لاعتصام القيادة العامة الأخير.

 

وكانت قد انتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت مطاردة المحتجين وضربهم بواسطة مجموعات ترتدي زي مدني، تحملهم سيارات الشرطة وأحيانًا سيارات أخرى بدون لوحات، ويحملون أسلحة الكلاشينكوف والسياط.

 

وكشفت مصادر لزينيت عن انتماء بعض هذه العناصر إلى الأمن الطلابي؛ الذي يتكون من طلاب وخريجين جامعات ينتسبون لحزب المؤتمر الوطني ويعملون لصالح جهاز الأمن والمخابرات السودانية.

 

وقد تعرف الكثير من المتظاهرين على وجوه أفراد من الأمن الطلابي الذين زاملوهم فترة الدراسة الجامعية، ثم وجدوهم يتصدون لهم أثناء فض المظاهرات. تقول الناشطة السودانية "سارة" (اسم مستعار) لزينيت، أنها رأت أحد زملائها القدامى بجامعة النيلين يعمل مع قوات الأمن ويضرب زميل آخر لهما أثناء المظاهرة، وتضيف: "هو كان فترة الجامعة طالب إسلامي، لم نكن نعلم هو يتبع أي جهة داخل النظام ولكننا كنا نعلم أنه يتبع النظام.

 

في إحدى المرات، كنّا نحن – شباب التنظيمات السياسية بالجامعة – مجتمعين على مائدة الفطور، وهذا الشاب، الذي يعمل الآن مع الأمن، جاء عابرًا أمامنا فجلس معنا لتناول الطعام، ولما دخلنا الكلية وجدنا أن هناك حلقة نقاش سياسي تسببت في حدوث عنف، فما كان منه إلا أن حمل عصا وبدأ بضرب الشباب."

 

كما تنتمي عناصر أخرى من هؤلاء المدنيين إلى ما يسمى "الأمن الشعبي"، بحسب مها -اسم مستعار- وهي صحفية محلية رفضت ذكر اسمها لأسباب أمنية، وقالت لزينيت أنها " كتائب اسلامية تنتسب إلى حزب المؤتمر الوطني وكانت تعمل بشكل سري لصالح النظام، وقد ظهرت منذ الانقلاب على حكومة الصادق المهدي، وهي تتبع الآن المخابرات السودانية، ولازالت تعاون النظام الحاكم وتعمل على حمايته."

 

وقد عمد عناصر بعض هذه القوات المدنية إلى إخفاء وجوههم أثناء تواجدهم مع الشرطة، ويرجع البعض ذلك إلى نشر صور لهذه العناصر بواسطة النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مع ذكر تفاصيل شخصية عنهم مثل الاسم والسكن ومحل العمل، ومن أبرز المجموعات التي تعمل على كشف أفراد الأمن المشاركين في قمع التظاهرات هي مجموعة "المنبرشات" النسائية.

 

كما رجحت مصادر لزينيت أن هذه القوات الملثمة يوجد من بينها ميليشيات أفريقية متنوعة، واستدلوا على ذلك من خلال صورة تم نشرها لأحد هؤلاء الملثمين على مواقع التواصل عندما سقط بيد المتظاهرين وأجبر على رفع اللثام، وأظهرت الصورة أن ملامحه لا تنتمي إلى الشعب السوداني، كما أكد ذلك متظاهرون رأوا وجوه الملثمين بينما كانوا يرفعون اللثام لاحتساء الماء أثناء المظاهرات، وأضافوا أنهم عندما سمعوا لهجتهم أثناء توجيه الحديث إلى بعضهم البعض وجدوا أنهم لا يتحدثون العربية، واستدلوا من ملامحهم ولهجتهم أنهم من النيجر والطوارق والتشاد بحسب المصادر. وترجح مها أن الهدف من الاستعانة بهم، هو تجنب أي ملاحقات قضائية في حال سقوط النظام، حيث لا توجد ملفات توثق عمل هذه المرتزقة لصالح أجهزة الأمن.

 

وربط ناشطون بين هذه العناصر الملثمة و"كتائب الظل" التي أشار إليها القيادي الإسلامي "علي عثمان طه"، النائب الأول السابق لرئيس جمهورية السودان بعد انفصال الجنوب، خلال لقاء مع محطة "سودانية ٢٤" في ٧ يناير٢٠١٩ حين قال "إن حكومة الانقاذ لن تسقط ولديها كتائب ظل ستدافع عنها وتحميها ولو استدعى الأمر التضحية بالنفس." بحسب سبوتنيك نيوز.

 

وقد اتهم البشير "مندسين" بقتل المحتجين في المظاهرات وذلك أثناء خطاب ألقاه في ولاية النيل الأبيض يوم ٢٠ يناير ٢٠١٩ وقال إنهم قد استخدموا أسلحة غير موجودة في السودان، بحسب بي بي سي.

 

أما عن أماكن الاعتقال فقد كشفت تقارير عن احتجاز متظاهرين وفاعلين سياسيين في "أماكن سرية" من جهة أجهزة الأمن، وهي ما تعرف ب "بيوت الأشباح" نسبة إلى كونها مقرات غير معلنة تقع في محيط مباني سكنية. وهو ما يتعارض مع قانون الإجراءات الجنائية السوداني، الذي يضع أطر محددة للتعامل مع المظاهرات وتنظيم سلطة الاعتقال، وضحها الأستاذ نبيل اديب المحامي، في صحيفة التغيير السودانية، وقال أنه يجب اصطحاب المعتقل إلى أقرب مركز شرطة للتحقيق معه بواسطة النيابة ثم يمثل أمام القضاء بعد مدة ٧٢ ساعة ولا يجدد له إلا بواسطة القاضي.

 

ويرجع تأسيس "بيوت الأشباح" إلى عام ١٩٨٩ مع بداية تولي حكومة الإنقاذ للسلطة بقيادة "عمر حسن البشير"، حيث ذكر العالم السوداني "فاروق محمد إبراهيم" في الرسالة التي كتبها إلى الرئيس البشير عن تجربة اعتقاله، أنه كان أحد نزلاء أول "بيت للأشباح" والذي أقيم في المقر السابق للجنة الانتخابات.

 

وقد أصدر "كاسبار بيرو" مقرر حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة في السودان عام ١٩٩٣، تقريرًا تضمن فصلاً كاملاً عن الاعتقال داخل بيوت الأشباح. وكان رد وزير العدل السوداني على ذلك التقرير، أن "جهاز الأمن السوداني، بعد ثورة الانقاذ كان يعمل في مبانٍ مؤقتة داخل القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية"، ولذلك فهذا كان وضع استثنائي.

 

لكن أفادت شهادات أن الاعتقالات لازالت مستمرة داخل "بيوت الأشباح"، حيث يتم اقتياد المحتجزين إلى أماكن غير معلنة وذكر بعض المعتقلين لزينيت أنه قد تم تغمية أعينهم أثناء القبض عليهم من محيط التظاهرات، واقتيادهم داخل سيارات مغلقة إلى هذه المقرات، وتحدث البعض عن أشكال من التعذيب تعرضوا لها أو شاهدوها داخل أماكن الاعتقال مثل غمس الرأس في الماء لفترات مطولة حتى فقدان الوعي، حلق الشعر من منتصف الرأس بغرض الاستهزاء، الصعق بالكهرباء، إلى جانب تهديدات الاغتصاب والسب للفتيات.

 

وفي واقعة أثارت الرأي العام في السودان، تُوفي مدرس يدعى "أحمد الخير " جراء التعذيب داخل الاحتجاز في ولاية كسلا شرق السودان، وأقرت لجنة التحقيق التي شكلها النائب العام السوداني أن الوفاة جاءت نتيجة "الإصابات المختلفة في جسمه بآلة صلبة" بعد احتجازه عقب الاحتجاجات.

 

ان مواقف أجهزة الأمن السودانية، متباينة في ما يتعلق بالتعامل مع المظاهرات، مما اعتبره البعض دليل على وجود انشقاقات بين مراكز القوى التي تحمي النظام، فبينما أصدر الجيش السوداني بيانًا في خامس أيام الاحتجاجات الشعبية، أعلن فيه "التفافه حول قيادته السياسية"، وأكد على حرصه على الدفاع عن "مكتسبات الشعب، وأمن وسلامة المواطن" بحسب المدينة نيوز، أثارت الانتباه تصريحات القائد العسكري "محمد حمدان دقلو" الشهير بـ"حميدتي"، قائد قوات "الدعم السريع"، التي دعا فيها حكومة بلاده إلى توفير الخدمات للمواطنين وتوفير سبل العيش الكريم لهم بحسب الجزيرة.نت، وذلك في أعقاب اندلاع الاحتجاجات.

 

وقد اعتبر البعض هذه التصريحات هي تعبير عن الاصطفاف إلى جانب الاحتجاجات ضد القائد الأعلى للقوات المسلحة "عمر البشير" الذي تتبع قوات "الدعم السريع" لإدارته مباشرة دون اشراف أية جهة حكومية، بينما اعتبر آخرون أنها محاولة لكسر الصورة النمطية المتداولة عن هذه القوات، التي طالما أحاطت بها الاتهامات، منذ تأسيسها، بالتورط في اعتداءات على مواطنين.

 

ومما بدى أنه تغير في موقف الجيش السوداني، فقد أعلن تجمع المهنيين السودانيين المعارض إن "وحدات وطنية من القوات المسلحة قامت بحماية المتظاهرين المعتصمين أمام مقر قيادة الجيش بالعاصمة الخرطوم" والمستمر حتى الآن،  بينما حاولت قوات الأمن تفريق الاعتصام بإطلاق الرصاص الحي، وأعلنت لجنة أطباء السودان المركزية أن "سامي شيخ الدين" من منسوبي القوات المسلحة توفى متأثراً بجراحه "أثناء محاولته الدفاع عن المعتصمين بعد تبادل لإطلاق النار مع قوات أمنية".

 

وعلى الرغم من لجوء النظام الحاكم إلى التعامل الأمني في مواجهة الاحتجاجات، إلا أن المواكب لم تتوقف في أرجاء السودان، وقد أصدر الرئيس السوداني "عمر البشير" حزمة من القرارات بغرض احتواء غضب المحتجين، مثل تقليص فترة حالة الطوارئ ، تغيير في قيادات الشرطة، تعيين محافظ جديد للبنك المركزي، وتعيين حكومة مصغرة جديدة، وقد أعلن رئيس الوزراء ووزير المالية الجديد "معتز موسى" برنامج ال٤٠٠ يوم وهو عمر الحكومة الجديدة لإحداث تغيير اقتصادي يخرج السودان من أزماته، إلا أن القرارات الجديدة لم تفلح في تهدئة الأوضاع، فقد اتجه موكب السادس من ابريل ٢٠١٩، والذي جاء في ذكرى الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس الأسبق جعفر نميري يوم 6 أبريل 1985، نحو مقر قيادة الجيش لتسليم "مذكرة التنحي".

 

في ١١ ابريل ٢٠١٩، أعلن وزير الدفاع السوداني "عوض بن عوف" اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير عبر بيان بثه التلفزيون الرسمي، وبدء فترة انتقالية لعامين، كما أعلن أيضاً إعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر وحظر التجوال لمدة شهر.

عن: 
نهلة النمر