الزمن اللازم للقراءة: 6 دقيقة
الاجتياح التركي للشمال السوري

نبع السلام. ماذا بعد؟

مقالة
بقلم بسام جوهر
بوتين واردوغان وروحاني
موردة من wikimedia

ما كان يطالب به الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، منذ تصاعد وتيرة اعمال العنف في سوريا، يحدث الآن فعلاً. ولكن ما هي الخطوة التالية؟

في صبيحة التاسع من تشرين الأول أوكتوبر، بدأ الجيش التركي وقوات ما يُسمّى "الجيش الوطني السوري"، المكون من قوات مسلحة معارضة مدعومة من قبل تركيا، عملية عسكرية أٌطلق عليها اسم "نبع السلام".

 

وكانت المنطقة المستهدفة بتلك العملية هي المناطق التي تسيطر عليها ما يُسمّى "قوات سوريا الديمقراطية" المعروفة ب "قسد"، والتي أساسها قوات الحماية الشعبية YPG التي يقدر عدد مقاتليها بحوالي 60 ألف، بالإضافة إلى وحدات حماية المرأة – حوالي ٢٠ ألف مقاتلة- وكِلا القوتان تابعتين لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD، الذي هو بالأصل الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي PKK، بالإضافة إلى بعض الفصائل المسلحة العربية والسريانية في المنطقة مثل: قوات الصناديد، وهي مجموعة مسلحة تكوّنت بشكل أساسي من قبيلة شُمّر العربية لقتال داعش وتضم تقريباً ٤٥٠٠ مقاتل، ويقودها بندر الهادي الجربا، وكذلك قوات المجلس العسكري السرياني، التي يقودها آرام حنا، وقوامها ٣٠٠٠ مقاتل.

 

بالإضافة إلى تلك الفصائل، ينضوي تحت علم قوات "قسد" مجموعة مسلحة تُسمّي نفسها "تابور الحرية العالمي" أو "كتيبة الحرية العالمية"، وهم عبارة عن مجموعة مسلّحة من المتطوّعين، تأسست عام 2015 بمدينة رأس العين في محافظة الحسكة، وتتألف من مقاتلين يساريين أجانب من جنسيات مختلفة قادمين من الاتحاد الأوربي وأمريكا وروسيا وتركيا وأرمينيا. وبحسب قيادية في هذه المجموعة فإنهم جاؤوا: "لدعم ثورة كردستان السورية واستقلال الكرد في إقليم خاص بهم في سوريا".

 

أما عدد المقاتلين في هذه المجموعة، فيزداد وينقص بحسب مدة بقاء المتطوع مع المجموعة، لأن الكثيرين منهم يأتي للدعاية وأخذ الصور. وقد تم استخدام الكثيرين منهم، بعد عودتهم إلى بلدانهم، في حشد الدعم لوحدات حماية الشعب والقضية الكردية.

 

إضافة إلى هؤلاء هناك بعض الفصائل المسلّحة، التي هي صغيرة العدد والفاعلية، مثل جبهة ثوار الرقة وجيش الثوار وغيرهم.

 

كانت تركيا، وقبل عملية "نبع السلام" تسيطر على مساحة ممتدة على ٣٤٦٠ كيلو متر مربع داخل الأراضي السورية، وذلك من خلال عمليتين عسكريتين سابقتين، هما عملية "درع الفرات" وعملية "غصن الزيتون"، اللتان تم فيهما طرد قوات داعش وقوات سوريا الديمقراطية من هذه المناطق. وتشمل هذه المناطق مدن وقرى رئيسية مثل عفرين، الباب، إعزاز، دابق، جرابلس، جنديريس، راجو، شيخ الحديد وغيرها الكثير من القرى والبلدات.

 

وتقع هذه الأراضي الي تُسيطر عليها تركيا في شمال وشرق محافظة حلب وتتصل ببعض المناطق بمحافظة إدلب، التي تُسيطر عليها قوى إسلامية متطرّفة تربطها علاقات وطيدة مع تركيا، حتى يمكننا القول بأن جبهة النصرة وحلفاؤها لا يستطيعون التحرك بدون موافقة تركية.

 

تخضع المنطقة التي تُسيطر عليها تركيا إسمياً لنفوذ "الحكومة السورية المؤقتة المعارضة"، والتي مقرها مدينة إعزاز، لكن السيطرة الفعلية لتركيا من خلال المجالس المحلية التي تُدير المنطقة. إذ قامت تركيا بمحاولة تنظيم المنطقة من خلال جمع السلاح ونقل كل المظاهر المسلّحة خارج مناطق تواجد المدنيين، مما أكسبها بعض الثقة من قبل السكان المحليين، الذين عانوا الأمرّين من انفلات السلاح والفوضى التي انتجتها الحرب.

 

كما قامت تركيا بالتقرّب من سكان المنطقة، من عرب وتركمان وأكراد ويزيديون وشركس، من خلال تنظيم وتمويل التعليم والخدمات الصحية، وإنشاء وتدريب قوة شرطة جديدة لحفظ الأمن. وذلك أدّى إلى انتعاش اقتصادي في تلك المنطقة، مما وضع القوات التركية موضع ترحيب من قبل الكثير من أهالي المنطقة، الذين لاحظوا أن منطقتهم أصبحت أفضل حالاً مما كانت عليه.

 

لكن وفي المقابل، وحسب التقرير الذي أعده مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فإن أكثر من ٢٥٠ ألف من الأكراد نزحوا من منطقة عفرين وتم منعهم لاحقاً من العودة إلى منازلهم، لا بل تم توطين المقاتلين العرب واللاجئين من جنوب سوريا في منازل الأكراد واليزيدين، وقد تم ذلك بدعم من تركيا والفصائل الإسلامية المتطرّفة التي تأتمر بأوامر الجيش التركي. أما الأكراد الذين بقوا في المنطقة فيتعرضون للمضايقة والاعتقال والاخفاء القسري في بعض الأحيان.

 

كما دأبت تركيا على نشر الثقافة التركية واللغة التركية وربط المنطقة بتركيا، وهذا ما يُمكن تسميته بمحاولة تتريك المنطقة، حيث عملت على تغيير أسماء بعض القرى والأماكن العامة من اللغة العربية والكردية إلى اللغة التركية، مثل الساحة الرئيسية في عفرين التي أصبح اسمها "ساحة كمال أتاتورك"، والحديقة العامة في إعزاز أصبح اسمها "حديقة الأمة العثمانية"، ودوار الرمز الكردي "كاوا الحداد" أصبح اسمه "دوار غصن الزيتون".

 

بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام اللغة التركية في المؤسسات العامة والمشافي والمدارس الى جانب اللغة العربية، بل إن اللغة التركية أصبحت اللغة الثانية بعد العربية، خاصة بعد أن تم افتتاح فروع للجامعات التركية في تلك المناطق. كل ذلك حدث بعد أن أصبحت منطقة عفرين تابعة إدارياً لولاية "هاتاي" (لواء اسكندرون سابقا)ً، حيث يعيّن حاكم ولاية "هاتاي" موظفين أتراك للعمل في الشؤون الإدارية والعسكرية، عدا عن رفع الأعلام التركية وصور أردوغان فوق المباني الحكومية.

 

وفي الفترة التي تلت ضم عفرين، أنشأت تركيا عدة قواعد عسكرية في المنطقة التي تحتلها، مثل: قاعدة جرابلس في ريف حلب، قاعدة أخترين، قاعدة إعزاز، قاعدة جبل الشيخ بركات؛ بالإضافة إلى قاعدة تفتناز الجوية ومطار أبو الضهور التان يستخدمان لإدارة العميات التركية في إدلب، كما قامت بتشكيل جهاز الشرطة الحرة التي يتدرّب عناصرها، وهم سوريون، في أكاديمية الشرطة التركية، ومهمتهم حفظ الأمن وولاءها لتركيا.

 

الآن وبعد أن وطّدت تركيا أقدامها في تلك المناطق، بدأت عمليتها العسكرية الجديدة، "نبع السلام"، هذه العملية التي ليس لها من اسمها نصيب. والتي يقول أردوغان بأن هدفها محاربة الإرهاب المتمثّل بقوات حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعادة أكثر من مليوني لاجئ سوري وتوطينهم في المنطقة (الآمنة) التي سيحتلها.

 

الحقيقة أن الهدف من هذه العملية هو منع إقامة أي كيان كردي ولا حتى إدارة ذاتية، لما يشكله ذلك من خطر على خاصرة تركيا الكردية. أما التذرّع بإعادة اللاجئين السوريين وتوطينهم، خاصة بعد الاستياء الشعبي المتنامي ضد المهاجرين السوريين، فإن الهدف منه هو خلق وهندسة منطقة جديدة تنسجم مع التطلّعات السياسية لأردوغان، وذلك بتوطين سوريين من لون سياسي محدد يعتمد عليهم ا ضد الأكراد لآن، وفي المستقبل في الداخل التركي. ولنا في بيان الإخوان المسلمين السوريين، الذي يهلل ويُمجد للاحتلال التركي، خير مثال على ذلك.

 

تقول "غونول تول"، مديرة مركز الدراسات التركية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: "يتهم النقاد أنقرة بامتلاك تطلّعات استعمارية جديدة في شمال سوريا. ظاهرياً قد يكونوا محقين في جانب معين. ففي الأراضي التي استولت عليها تركيا، يتعلم الطلاب اللغة التركية ويتولى مواطنون أتراك إدارة المستشفيات. وتشي معطيات عدة، مثل إشارات السير التركية، وقوات الشرطة المدرّبة على أيدي أتراك، ومكاتب البريد التي بناها الأتراك، بأن الدور التركي يتنامى باطّراد. كذلك معروف عن الجيش التركي أنه يمكث في الأراضي التي يتدخّل بها خارج حدوده، لكنه قد يجد أن الأمر أشد صعوبة في الوقت الراهن. إذا كان قد اُتيح لتركيا فرصة التوغل عسكرياً شمال سوريا، فالفضل في ذلك يعود إلى ضوء أخضر روسي. لكن أغلب الظن أن روسيا ونظام الأسد وإيران لن يقبلوا، على المدى الطويل، بالوجود العسكري التركي هناك".

 

قد يكون ما تقوله السيدة "غونول تول" صحيحاً، لكن كل المؤشرات التي تأتي من المناطق التي تحتلها تركيا تُشير أن تركيا عازمة على البقاء والاستمرار في قضم الأراضي السورية تحت حجج مختلفة. وأعتقد أن أردوغان لن يقاوم إغراء تغيير الحدود، وذلك بعد ضمان موقف الإدارة الأمريكية وروسيا – على الأقل في الوقت الحالي - الدولتان اللتان تُمسكان بخيوط اللعبة العسكرية والسياسية في سوريا، وأيضاً بعد إدراكه أن قسم من السوريين يهلل له ويساعده في تحقيق أهدافه. لكن أيضاً يمكن القول بأن بقاء تركيا في المناطق التي تحتلها سيكون رهن تغيير موازين القوى على الساحة السورية والدولية.

 

ما كان هذا ليحصل لولا إصرار الطغمة الحاكمة في دمشق على التشبّث بكرسي الحكم وقمع ثورة الشعب السوري بالحديد والنار. وما كان هذا ليحصل أيضاً لولا تبني قسم من الأكراد السوريين لأجندات ومشاريع غير سورية، وأقصد هنا أجندات ومشر وع حزب العمال الكردستاني التركي PKK. إذ أصبحت سوريا الآن مرتع للاحتلالات ومرتع لتصفية الحسابات السياسية والعسكرية، ومرتع للمتشددين الإسلاميين والمتشددين اليساريين من كل بقاع العالم، ومرتع لتجريب الأسلحة من كل حدب وصوب وخاصة الأسلحة الروسية.


بسام جوهر

ضابط سوري ومعتقل سياسي سابق

عن: 
بسام جوهر