الزمن اللازم للقراءة: 5 دقيقة
الهجرة غير الشرعية في المغرب العربي

الاقتصاد والهجرة غير الشرعية

مقابلة
موقع بناء جسر
من موقع بناء جسر بالقرب من مدينة شفشاون في الشمال الغربي من المغرب المصور: ستيان اوفردال

غياب مسؤولية الدولة في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية متردية يخلق الشرارات الأساسية لوضع غير مستقر وطنيا وإقليميا.

الشباب المغربي لم يجد فرص عمل في بلاده فاتجه الى الخارج للبحث عنها عن طريق الحرب.

 

حاورت زينيت الخبير الاقتصادي مهدي لحلو، أستاذ في المعهد الوطني للاقتصاد والإحصاء التطبيقي بالرباط – المغرب، لتسليط الضوء على بعض تلك الأمور.

 

برأيك، ما هو سبب احداث مدينة الحسيمة وماهي عواقبها؟

 

البطالة وغياب الدخل المادي وغياب الأمن يدفع الشباب الى الدخول في توجهات راديكاليةاحداث مدينة الحسيمة (مدينة ساحلية شمال المغرب) مرتبطة بالأساس بجريمة وقعت في شهر أكتوبر/تشرين الأول سنة 2016 حين توفي بائع اسماك يدعى "محسن فكري" سحقاً في شاحنة نفايات ولم تتخذ الحكومة المغربية أي إجراءات للقبض على المجرمين وتقديمهم إلى العدالة.

 

فكانت هناك احتجاجات على هذه الجريمة ثم تواصلت الاحتجاجات في غياب اعتذار من الحكومة ومن الملك عن مقتل " فكري". هذا أدى الى ارتفاع الغضب، فكان في البداية غضب العائلة ثم غضب الحي ثم غضب المدينة ككل واستمر هذا الغضب الى المطالبة بالتنمية المحلية وإيجاد فرص عمل.

 

وإذا لن تتناول الحكومة المغربية قضية الحسيمة بواقعية وبمسؤوليه أكبر ولم تقم بإصلاحات فعلية وبتوزيع خيرات البلاد على كل الجهات بعدل ستستمر هذه القلاقل وستكون لها نتائج غير معروفة، فكما نعرف الحرب في سوريا بدأت بمظاهرات اطفال في مدينة درعا وتحولت في النهاية الى حرب أهلية.

 

إذا لا تستبعد قيام ثورة اخرى في المغرب؟

 

لا، في الواقع حديثي لا يصب في هذا الاتجاه. ما اود قوله أنه إذا لم تتعامل الحكومة المغربية مع الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية الحالية بقدر كبير من المسؤولية فإن المستقبل سيبقى غير واضح المعالم والنتائج غير معروفة، والحرب الاهلية واحدة من هذه الفرضيات أو النتائج. ولنا عبرة في تجارب سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال والسودان. واقع الفقر يؤدي الى واقع التسيب وغياب الدولة يؤدي أيضا الى واقع التسيب، وغياب الدولة او غياب مسؤولية الدولة في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية متردية يخلق الشرارات الأساسية لوضع غير مستقر وطنيا وإقليميا.

 

على سبيل المثال البطالة وغياب الدخل المادي وغياب الأمن يدفع الشباب الى الدخول في توجهات راديكالية.  وهو ما يفسر توجه العديد من الشباب المغربي والتونسي الى مناطق الحروب والنزاعات مثل سوريا والعراق للانضمام الى مجموعات مسلحة هناك.  فالشباب المغربي لم يجد أي إمكانية للعمل في المغرب فاتجهوا الى خارج المغرب للبحث عن العمل عن طريق الحرب وذلك بتمويلات خارجية كبرى، خصوصا من طرف قطر والمملكة السعودية وتسهيلات عبور المقاتلين من تركيا.

 

كيف أثرت أزمة الهجرة غير الشرعية على المغرب؟

 

في الحقيقة بالنسبة للمغرب، لا يمكن الحديث عن أزمة، لأنه لا يوجد أزمة بل هناك وضع مرتبط بقدوم مهاجرين شرعيين وكذلك غير شرعيين. وهذا الوضع لم يتغير منذ أواخر القرن الماضي فأعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين يعيشون بالمغرب صغيرة تقدر بحوالي 20.000 إلى 40.000 مهاجر وهو عدد صغير مقارنة بمجموع سكان المغرب المقدر ب 34 مليون نسمة.

 

لهذا الوضع (الهجرة غير الشرعية) نتائج سياسية بالنسبة للمغرب تتمثل اساسا في شكل العلاقات بين المغرب ودول الاتحاد الاوروبي على اعتبار انه منذ بداية هذا القرن وخصوصا منذ سنوات 2005 و2006 كانت هناك ضغوطات من عدة دول على المغرب وخصوصا من قبل اسبانيا لنهج سياسة تحد من دخول المهاجرين الى أوروبا.

 

نتائج الهجرة السرية بالأساس سياسية، فقد غيرت شكل العلاقات بين المغرب والاتحاد الاوروبي على اعتبار ان كل الاتفاقيات اليوم بين المغرب ودول كفرنسا واسبانيا وحتى المانيا مرتبطة بشكل السياسات التي يتبعها المغرب تجاه مسالة الهجرة.

 

أدت هذه السياسات سنة 2003 الى اول قانون يسنه المغرب منذ الاستقلال ينص على مراقبة دخول وخروج الأجانب من المغرب. ومنذ سنة 2013 يتابع المغرب ما اسماه السياسة الجديدة للهجرة وهي نفس السياسة القديمة لكن مع التركيز على الجانب الإنساني في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين المتواجدين في المغرب.

 

ما هو الوضع الاجتماعي للمهاجرين العالقين في المغرب؟

 

الوضعية الاقتصادية الهشة للمغرب تنعكس سلبا على الوضع الاجتماعي للمهاجرين، فالحكومة لا تعطيهم اعانات ولا يجدون عملا كما ان اغلبهم لا يتمكن من الذهاب الى المدارس. وبما ان حكومات دول الاتحاد الاوروبي تطالب المغرب بمراقبة الحدود وبوقف حركة الهجرة غير الشرعية من المغرب الى أوروبا، فعلى الاتحاد الاوروبي مساعدة هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين الموجودين في المغرب على الحياة والذهاب للمدارس وتغطية النفقات الصحية او ربما مساعدتهم على العودة الى بلدانهم إذا كانوا يبحثون عن سبل للعودة، فهدفهم بالنهاية ليس البقاء في المغرب.

 

ماهي الاجراءات التي اتخذتها الحكومة المغربية للتعامل مع مشكلة الهجرة السرية التي تؤرق الاتحاد الاوروبي؟

 

اتخذت الحكومة المغربية جملة من الاجراءات القانونية، الإدارية والأمنية:

فقد سنت الحكومة المغربية سنة 2003 قانون 02-03 وهو قانون يجرم الهجرة غير الشرعية ويجرم المساعدة عليها أيضا. الى جانب هذا القانون الذي جعل تدخل القضاء ضروري لحسم المشاكل المرتبطة بالهجرة، تم انشاء مديرية داخل وزارة الداخلية سميت بمديرية "مراقبة الهجرة ومراقبة التراب الوطني". هذه المديرية تعنى أساسا بمشكلة الهجرة السرية وتطورها.

 

كما جندت السلطات المغربية قرابة 10.000 عنصر من قوات الأمن وقوات حرس الحدود وقوات الجيش لمراقبة كل الشواطئ المغربية والموانئ التي كانت تسخر للهجرة السرية وكذلك لمراقبة الحدود مع الجزائر والحدود مع موريتانيا. وتتواجد السلطات المغربية بشكل أكبر في المدن التي يوجد فيها اعداد مهاجرين أكبر مثل مدينة العيون والداخلة (جنوب المغرب) ومدينة وجدة (على الحدود مع الجزائر) وفي مدن العبور (قرب اسبانيا) مثل مدينة طنجة في شمال المغرب وتطوان وكذلك بجانب مدينتي مليلية وسبتة (المحتلتين من طرف اسبانيا).

 

هل ازدادت اعداد المهاجرين السريين بعد ثورات الربيع العربي وتدهور الوضع الأمني في هذه البلدان؟

 

اعداد المهاجرين غير الشرعيين المنطلقين من المغرب نحو أوروبا بقيت مستقرة اذ لم يتأثر المغرب بثورات الربيع العربي والاوضاع الأمنية في المنطقة، وبحسب معطيات فرونتاكس (وكالة اوروبية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية للاتحاد الاوروبي) فان اعداد المهاجرين السريين الذين غادروا المغرب نحو اسبانيا يقل عن 8000 مهاجر. وهي اعداد صغيرة جدا مقارنة بأعداد المهاجرين الذين دخلوا أوروبا من ليبيا او تركيا وتونس.

 

ماهي كلفة الهجرة السرية؟

 

كلفة الهجرة السرية بالنسبة للمغاربة اقل مقارنة بالمبلغ الذي يدفعه المهاجرين الأفارقة. لكنها طبعا تختلف باختلاف المسافة المقطوعة وحسب نقطة العبور وتتغير الأسعار بشكل دوري او حتى يومي احيانا.  والكلفة مرتبطة بالأساس بالوضع الأمني وصرامة مراقبة الحدود وبارتفاع المخاطر (بالنسبة للمهاجرين السريين) ترتفع الكلفة. كما انه لا توجد تسعيرة محددة فشبكات تهريب المهاجرين تعمل بشكل محلي وكل منطقة تحكمها عصابات متعددة وهي من تضع الأسعار وتتحكم بها.

 

كيف ترى العلاقة الاقتصادية بين المغرب والجارة الجزائر ضمن إطار اتحاد المغرب العربي؟

 

اتحاد المغرب العربي يعتبر غير موجود والوضع الان بين المغرب والجزائر متوقف لاعتبارات من بينها ان الرئيس الجزائري مريض ولا يوجد مسؤولين جزائريين يمكن الحديث معهم وان الجزائر تسيّر اليوم ومنذ زمن من طرف الجيش الذي يتحكم في الدواليب السياسية والاقتصادية للدولة.

 

كما ان الوضعية الداخلية في الجزائر واهداف الجزائر الإقليمية تجعل الوضع غير مستقر شمال مالي وشمال النيجر وغير مستقر في الحدود الجزائرية الليبية التونسية. فالسلطات الأمنية والمخابرات الجزائرية تعمل بكثير على عدم بناء استقرار في المنطقة وفي تونس أيضا، وبالتالي نفس التدخلات التي تقوم بها الجزائر في شرقها تقوم بها الان في غربها. إذا في غياب إمكانية النقاش والمفاوضات لبناء مغرب عربي على أسس ومبادئ وقيم الانسانية والديمقراطية داخل الجزائر أساسا لن يكون هناك أي إمكانية اليوم لإعادة بناء اتحاد مغربي او المغرب العربي الكبير او أي مشروع من هذا النوع.

 

هل ترى ان التقصير والإشكال من طرف دولة الجزائر؟

 

جزء كبير من هذا الاشكال هو من طرف الجزائر لكن المغرب أيضا له جزء من المسؤولية: غياب الديمقراطية الفعلية وغياب دولة تعمل لصالح المجتمع. في النهاية يمكن القول ان اهداف النظامين المغربي والجزائري يمكن ان تكون متشابهة على اعتبار ان النظامين يبحثان عن الاستمرار بتملك خيرات البلدين بالنسبة للجيش في الجزائر وبالنسبة للنظام في المغرب. هناك ايضاً تشابه في المنظور العام؛ انه من الممكن ان تكون هناك ديمقراطية لكن يجب ان لا تمس المصالح الأساسية للنظامين أي الجيش في الجزائر والمخزن في المغرب.

 

لكن يبقى طبعا غياب وجود مسؤول على راس الدولة الجزائرية عامل أساسي للاضطراب الحالي في العلاقات ليس فقط بين الجزائر والمغرب بل أيضا بين الجزائر ودول الاتحاد الاوروبي.

عن: 
صبرين الشهبي