الزمن اللازم للقراءة: 4 دقيقة
المدرسة الظاهرية

تحف أقدم عواصم التاريخ

مقالة
بقلم سارة رضا
المدرسة الظاهرية

بما ان الثقافة هي منارة الحضارة والعلم أحد أساساتها، كانت هاتين الصفتين ملازمتين لأقدم عواصم العالم، التي حط على ترابها حضارات متنوعة على مدى مختلف العصور. فعندما تمشي في شوارع دمشق القديمة، لا تستطيع إلا ان تفتن بالتراث والتاريخ العمراني المحيط بك.

  برغم الحرب وقسوة الأحداث التي عانت منها سوريا، على مدى السنين الثمانية الماضية، والدمار الذي لحق بالعديد من الآثار والمواقع التاريخية التي عرفت بجمالها وتاريخها العريق ودقة صنعها –أكثر من 300 موقع أثري سوري للأضرار أو التدمير أو النهب خلال النزاع، بحسب تقارير الأمم المتحدة– إلا أن ثمة بعض المعالم الأثرية التي نجت من عنف القنابل والقذائف والصواريخ. ومن أحدى تلك المعالم، المكتبة الظاهرية بدمشق.

بين الجامع الأموي وقلعة دمشق، خلال مرورك بسوق الحميدية، وبين البيوت القديمة المعروفة ببنائها المتقن، تقع المكتبة الظاهرية، أقدم مكتبة في بلاد الشام وواحدة من أقدم المكتبات في العالم، وقد تم تصنيفها كأكبر مكتبة في الشرق الإسلامي خلال عهود السلاطين العثمانيين.

 

فما هو طابع هذه المكتبة ؟ كيف تأسست ؟ وعلى ماذا تحتوي ؟

 

تاريخ المكتبة:

بنيت المكتبة الظاهرية في عصر المماليك، وتنسب – كما هو واضح بتسميتها – إلى الملك الظاهر بيبرس. حازت العمارة والثقافة على اهتمام الملك الظاهر، فأتى إلى دمشق بعد بنائه المدرسة الظاهرية في القاهرة، ليعيد الكرة ويأسس مدرسة مماثلة في دمشق. إلا أنه توفي قبل البدء بمشروعه. فقام ابنه، الملك السعيد، باستملاك الدار عام 1277م، ليحولها إلى مدرسة ومدفن لوالده. لكنه لحق بأبيه، قبل إكمالها.على الرغم من عدم إتمام البناء، إلا ان التعليم والتدريس كان جارياً فيها. وبحسب ما نصت عليه الكتابة على اللوحة الحجرية الموجودة فوق باب المدفن، أمر الملك المنصور قلاوون في العام 1290 بإكمال البناء.كانت المدرسة تعلّم المذهبين الحنفي والشافعي، كما كانت داراً لتعليم الحديث الشريف. ثم عمدت الدولة العثمانية إلى إنشاء مدرسة ابتدائية فيه عرفت باسم مدرسة الملك الظاهر عام 1294م. وفي سنة 1877م كان القرار بتحويلها إلى مكتبة عامة، وذلك من قبل مفتش التعليم في دمشق الشيخ طاهر الجزائري والذي يعتبر مؤسس المكتبة.  حيث عمل على إغناء محتواها وجلب الكثير من الكتب إليها. وقد اتخذت هذه المدرسة مقرا للمجمع العلمي بدمشق سنة 1919 وهو ما يسمى بـ"مجمع اللغة العربية اليوم.

 

مكانتها الثقافية:

كان للمدارس في ذلك الوقت أهمية كبيرة، اعتاد العلماء والباحثين على زيارتها لينهلوا من علمها. وقد زادت هذه المدارس والمكتبات من مكانة دمشق الثقافية في ذلك العصر. تأسست المكتبة الظاهرية كمدرسة لتعليم العلوم الإسلامية الخاصة بالمذهب الشافعي والحنفي، وتشمل كنوزها الثقافية كتب عربية قديمة ومخطوطات عتيقة ومجلات دورية فرنسية و انكليزية وعربية، بالإضافة لمستندات وخطابات مكتوبة بخط اليد.استفاد منها آلاف الباحثين والعلماء من داخل سوريا وخارجها مثل ابن خلدون وابن مالك، وما زالت  حتى يومنا هذا تلعب دورا كبيرا في تقديم الخدمات العلمية والثقافية لروادها حيث يسجل رقم الطلاب لذين يقصدونها بحوالي 45000 بالسنة ويبلغ عدد الكتب المعارة حوالي 30000 كتاب.

 

محتواها الثقافي:

تحتوي المكتبة على 70 ألف عنوان بالعربي، وحوالي 100 ألف مجلد، وفيها صحف قديمة جداً منذ عام 1878م (بحسب وزارة الثقافة السورية). وبعد أن كانت مدرسة ذات طابع ديني، تحولت إلى مدرسة ابتدائية لتعليم الأطفال، اطلق عليها اسم “مدرسة الملك الظاهر”، ومن ثم تحولت لمكتبة عامة عام 1877م. بالطبع فإن ثراء هذه المكتبة بالمخطوطات والكتب الثمينة لم يكن محض صدفة، حيث تم جمع الكتب لها من حوالي عشر مكتبات وهم : المكتبة العمرية، مكتبة باشا العظم ،المكتبة السليمانية، ومكتبة المُلا عثمان الكردي، والمرادية، والسميساطية، والياغوشية، ومكتبة الخياطين، ومكتبة الأوقاف، ومكتبة بيت الخطابة، وغيرها. كما تم شراء الكتب من الغرب لإغنائها وهذا ما حصل في زمن رؤوف بك والي دمشق أوائل القرن الماضي، بالإضافة إلى تلقيها الكثير من الهدايا. تذخر المكتبة بالكتب من علوم مختلفة  كالطب، الزراعة، الأدب، الشعر، التاريخ، الدين والجغرافيا. كانت محتوياتها من المخطوطات والذخائر العلمية تفوق ما في مكتبات المدن الأخرى في الدول الإسلامية، ولكن قد ضاع القسم الأكبر منها، بين سرقة واختلاس، وإهداء للسلاطين، فكان لا بد من اتخاذ خطوة جادة للحفاظ على بقية الكتب والمخطوطات المهمة و قد ترأس هذه العملية الشيخ طاهر الجزائري.

 

فن العمران:

هي من أهم المعالم الثقافية في دمشق. ويعتبر البناء العمراني للمكتبة من واجهتها الخارجية، و باحتها الداخلية ووصولاً إلى قاعاتها من أجمل ما بنى المماليك. وما يزيدها جمالاً، هو وقوعها في حارات دمشق القديمة، ومناظرتها للمدرسة العادلية الكبرى التي تجعل من المنطقة بأسرها تبدو وكأنها لوحة مبدعة الرسم. يحتفظ عمار المكتبة بالكثير من النقوش و الكتابات على جدرانه، ويتوسط باحة المكتبة أشجار النانرج والكباد والليمون بالإضافة إلى نوافير مياه عذبة، ويغطي أساساتها الرخام والزخارف والفسيفساء. تحتوي المكتبة من الداخل على باحة فسيحة فيها ثلاثة قاعات هم: قاعة الأمير مصطفى- قاعة خليل مردم - وقاعة الشيخ طاهر الجزائري. بالإضافة إلى ثلاثة مستودعات مقسمة إلى (مخطوطات- دوريات- مطبوعات) فضلاً عن احتوائها على قبر الظاهر بيبرس وابنه بتصميم رائع من الرخام والفسيفساء ذوات اللونٍ أسود. تشكل المكتبة منارة سياحية وأثرية مهمة بأبنيتها المعمارية الجميلة، والتي اعتاد السياح زيارتها من كل أنحاء العالم، ليتمتعوا بروعة عمارها وفخامة البناء واحتوائه على الكثير من عناصر الفن العربي ـ الإسلامي المعماري.

 

لا شك أن هذه المكتبة هي واحدة من العديد من المعالم التاريخية الجميلة في سوريا والمتميزة بفن عمرانها الذي يجمع بين الطرازين الأموي والمملوكي، ويتم الآن إعادة ترميمها وإعادة الحياة إلى مخطوطاتها، عساها تعود لما كانت عليه كواحدة من أهم دور العلم. ولربما تكون تذكرة للسوريين، تعيد لأذهانهم المستوى العلمي والفكري الذي كانوا عليه، فيما مضى. 

 

 

 

 

 

عن: 
سارة رضا