الزمن اللازم للقراءة: 5 دقيقة
التحديات في اعادة بناء تونس

ما وراء عناوين الأخبار يكمن الأمل التونسي

مقال رأي
العلم التونسي
الثورة التونسية ادت إلى تغيرات كثيرة في المجتمع التونسي و دور الحكومة. المصور: ويكيميديا

على الرغم من مشكلة التطرف، هنالك ما يبعث الأمل في قلب التونسيين. يقول "صدام جبالي"

ما آلت الصورة الشائعة عن تونس المشتهرة بشواطئها البيضاء ومنتجعاتها السياحية الرخيصة أن تتغير بشكل ملحوظ في عام ٢٠١٠، بعد انتشار مشاهد للثورة الشعبية التونسية في أنحاء العالم، مشاهد درامية لثورة الشعب الشجاع الذي قاد الدولة سلمياً نحو التغيير السياسي. أشعلت تونس بريق الأمل لدى العديد من الدول المتعطشة للتغيير. ومن الجدير بالذكر دور وسائل التواصل الاجتماعي التي لعبت دوراً كبيراً في تخطي الرقابة الحكومية والحظر الإعلامي. إن الاطاحة بالرئيس المستبد أطلق شرارة لما يسمى بالربيع العربي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

 

مؤخراً أصبحت تونس معروفة بأنها "مصنع الجهاديين" وذلك نظراً للأعداد الكبيرة من شبانها الذين التحقوا بالميليشيات المسلحة مثل داعش، بالإضافة إلى التونسيين الذين ارتكبوا أعمال إرهابية سواء في تونس أو أوروبا؛ مثل الاعتداء الإرهابي "لشاحنة نيس" في عام ٢٠١٦، وأيضاً الاعتداء الإرهابي الأقل دموية الذي حدث في برلين في شهر كانون الأول قبل أيام من عيد الميلاد والذي استهدف سوق عيد الميلاد.

 

لطالما كان الواقع أكثر تعقيداً من هذه الصورة المبسّطة. حتى قبل نشوب الثورة كان العديد من السياح الذين كانوا يزورون تونس لا يعرفون الواقع الاقتصادي البائس للبلد، خصوصاً في المحافظات الداخلية، مثل قفصة وسيدي بوزيد والقصرين. هذه المدن كانت تحظى بدخل زهيد من السياحة مع العلم أنها لا تبعد سوى ٢٥٠ كم عن سوسة، المنطقة السياحية المشهورة. نتيجة للحرمان الاقتصادي والاجتماعي الشديدين اللذان عانى منهما الداخل التونسي، قامت ثورة في عام ٢٠٠٨ في مدينة المتلوي؛ هذه الثورة قُمعت بعنف وتم التعتيم عليها إعلامياً. بعد سنتين، نتيجة للقمع المتواصل وبعد أن قام بائع متجول بإحراق نفسه في مدينة سيدي بوزيد، اندلعت احتجاجات أدت إلى الاطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في كانون الأول ٢٠١٠.

تهريب النفط منتشر بالقرب من الحدود الجزائرية في ولاية القصرين
الولايات الداخلية في تونس، تعاني من اقتصاد هزيل، تهريب النفط منتشر بالقرب من الحدود الجزائرية في ولاية القصرين المصور: ستيان اوفردال لمجلة زينيت

في مرحلة ما بعد الثورة، كان على تونس مواجهة العديد من الصعوبات. الإصلاحات الاقتصادية كانت متعثرة، كما ان الاعتداءات الإرهابية في مدينة سوسة وتونس في عام ٢٠١٥ أثرت سلباً على السياحة وأضافت المزيد من الاعباء على كاهل الاقتصاد المترنح. التحدي الكبير الآخر كان على صعيد الأمن الداخلي والخارجي. حيث اعتُبرت تونس تربة خصبة لنشوء الجهاديين الذين توجهوا إلى سوريا، العراق وليبيا للقتال هناك، حيث وصل عدد الجهاديين التونسيين الذين التحقوا بالمجموعات المسلحة في سوريا والعراق إلى ٦٠٠٠ جهادي – أكبر عدد بين الجنسيات الأخرى– حسب تقدير صوفان غروب. في ليبيا فقط هنالك ما يقارب ١٠٠٠ مقاتل تونسي، بحسب تصريح وزير الدفاع التونسي.

 

بالطبع هذه الأرقام الكبيرة هي محل جدل. ويبقى السؤال: كيف لدولة صغيرة أن تكون المصدر لهذا الكم من المقاتلين الأجانب في كل من العراق، سوريا وليبيا، ومنفذي الاعتداءات الإرهابية البربرية في أوروبا؟ بالعودة إلى التاريخ الحديث لتونس وللأحداث التي جرت بعد ثورة ٢٠١٠، يمكننا كشف بعض الأسباب وراء سهولة اقناع الشباب بالسفر والالتحاق بالمجموعات المسلحة، كما يمكننا أن نعرف لماذا كان المجنِّدين، في ذلك الوقت، في تونس يستطيعون العمل بحرّية ووجدوا جمهور يستجيب لدعوتهم.

 

وبالطبع، بينما يحاول تحليلي شرح الأسباب التي جعلت الشباب التونسي المنفّذ لمعظم الهجمات الإرهابية، إنما هو ليس يبرّر هذا المنحى. فمشاعر الألم بعد هجومي نيس وبرلين شعر بها الشعب التونسي بالإضافة للغضب الذي ساد بينهم بسبب تقديم هؤلاء الشباب على انهم يمثلون الشباب التونسي.

 

حكومة هشة وتحديات أمنية

 

بعد الاطاحة بحكم بن علي في عام ٢٠١١، الرجل الذي حكم تونس لأكثر من ٢٠ عام، كانت الدولة تتخبط في أمرها. فأجهزة الدولة ومؤسساتها مثل الشرطة؛ أُجبرت على إعادة ترتيب روابطها مع الشعب وإعادة تأسيس دورها في فترة ما بعد الثورة.

 

طائرة تحلق فوق تونس العاصمة
السياحة في تونس تعرضت لضربة قوية بعد الهجوم الأرهابي الذي استهدف مجموعة من السياح في عام ٢٠١٥، مما ادى إلى تفاقم الأزمة الإقتصادية.المصور: ستيان اوفردال لمجلة زينيت

استغلت المجموعات المتطرفة، في تونس، الفرصة. فتحركت تلك المجموعات لملء الفراغ الذي خلفه غياب الدولة وتراخي حكومة "ترويكا" (ائتلاف حاكم رئاسيا وحكوميا وبرلمانيا)، حيث بدئوا بتأمين الخدمات الاجتماعية لكسب الشعبية. فكانت هذه الخطوة ذات فعالية، خصوصاً في المناطق المهمّشة، مثل ضاحية التضامن التي أصبحت لاحقاً مصدراً لعديد من الشباب التونسي المستعد للقتال في الخارج. كما ان الوضع ازداد سوءاً بعد إطلاق سراح الإسلاميين، الذين تم اعتقالهم في فترة حكم بن علي، حيث سرعوا انتشار خلايا التجنيد، وخاصة في المساجد التي بقيت بعيدة عن سيطرة الدولة لأكثر من سنتين.

 

في هذا الحين، وجد التونسيين أنفسهم، وللأول مرة بعد أكثر من عقدين من التصحر الديني والسياسي في عهد بن علي، في مواجهات وخلافات اراء فيما بينهم على رؤيتهم المستقبلية لبلدهم

 

الجيل الذي نشأ في فترة حكم بن علي كان ثمرة نظام تعليمي حرص على إنشاء شعب راضخ، لا يجرؤ على انتقاد الحكومة أو مسائلتها. ونتيجة لغياب العقلية الناقدة ولفرض القيود على الحياة الثقافية، نشأ شباب يعاني ازمة هويّة، وقام الجهاديين باستغلال عدم النضوج هذا ليقنعوا العديد بالانضمام للمجموعات المتطرفة.

 

اعمار الدولة أم تحقيق الذات؟

 

يعاني الشباب التونسي في الوقت الحالي من الاحباط لعديد من الأسباب: التغير السريع في البيئة المحيطة؛ عدم الوثوق بالحكومة؛ قلة الامكانيات الاقتصادية بالإضافة إلى مواجهة صعوبات في الانخراط في البيئة العالمية المتمثلة في ريادة الأعمال الحرة والاعتماد على الذات.

 

نتيجة للكساد الاقتصادي والاجتماعي، نجد العديد من الشباب التونسي يتجه نحو السفر للدراسة أو العمل، بالأخص الشباب الذي يستطيع تحمل تكاليف السفر ولديه الكفاءة والمقومات الدراسية. أما بالنسبة للشباب الذي لا يمتلك أي من المقومات السابقة، فهم يبحثون عن الحياة في أوروبا كلاجئين غير شرعيين. وكذلك نجد الشباب الذي ذهب للالتحاق بصفوف داعش، لكن القاسم المشترك بينهم جميعاً هو أنهم يسعون لتحقيق الذات.

 

هذه الصورة ممكن أن تُعكس انطباع متشائم عن تونس، لكن هنالك العديد من الجوانب المشرقة يجب أن تُذكر. عدد لا يستهان به من المواهب الشابة عكست الوجهة، عادت من المغترب إلى الوطن، بينما نجد العديد من الشباب قد قرر البقاء وتطوير أعماله والبدء بمشاريع اجتماعية.

 

أن تكون جزءاً من جيل ساهم في تأسيس بلد، هي فرصة فريدة وشعور يضاهي أي شعور سواه. يبقى الصبر وروح التحدي هما مفتاح النجاح. فنلمس قصص النجاح في كل انحاء البلد وعلى جميع الأصعدة. الظروف الصعبة تُولِّد الاعتماد على الذات وهذا ما سيساعد البلد على الازدهار.

 

مع أن الأمر لن يكون سهلاً، حيث تحاول تونس الآن توحيد الهياكل الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة الساحلية والداخلية معاً وفق صورة متكافئة ومتطورة. هذه التجربة ذاتها التي خاضتها ألمانيا بعد اتحادها في عام ١٩٩٠. نرى ان ألمانيا انهت هذه المهمة بعد ٢٦ عام، مما يعطينا فكرة أن خطة العمل في تونس سوف تكون معقدة وأن إعادة الاعمار يمكن أن يدوم لأكثر من جيل.

 

الأفكار المطروحة في المقال هي وجهة نظر الكاتب وليست تعكس بالضرورة أن وجهة نظر الناشر أو فريق التحرير في زينيت

 


 

صدام جبالي: باحث تونسي في مؤسسة كونراد أديناور، يدرس ماجستير بالسياسة العامة في مدرسة هيرتي للحوكمة في برلين. عمل الجبالي لعدة سنوات كمدير للبرنامج الاجتماعي والشبابي لدى بريتيش كونسل حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

عن: 
صدام جبالي