الزمن اللازم للقراءة: 4 دقيقة
الاقتصاد والبطالة في تونس

اقتصاد راكد وبطالة مستشرية

مقالة
امام كنيسة مار انطوان في تونس
البطالة في تونس وصلت إلى ١٣,٥ بالمئة، والحكومة تسعى جاهدة لإيجاد الحلول. المصور: ماريسا رايشير

تعد التحولات الاقتصادية التي أعقبت ثورة عام 2011 من أهم التحديات التي تواجه تونس، في ظل مناخ من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي الذي تعيشه البلاد وتحديات اقتصادية جمّة تحتاج إلى إجراءات وحلول ناجعة.

مشكلة البطالة -بين حاملي الشهادات العليا خصوصًا- هي من أكبر المشكلات حاليًا في تونس. وكان المعهد الوطني للإحصاء قد قدّر نسبة البطالة في البلاد خلال الثلث الأول من سنة 2017 بـ 15.3بالمائة تقابلها نسبة بطالة تقدر بـ 15.5بالمائة خلال الثلث الرابع من سنة 2016.

 

المشكلة لا تقتصر على البطالة فحسب، بل انها تساهم في عدة مشاكل أخرى، كارتفاع معدل الجريمة، والجرائم الاقتصادية (كالاتجار بالمخدرات والتهريب) بجانب الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا عبر ما يعرف بـ"قوارب الموت" والتي بات الشباب التونسي يلجأ إليها هربًا من الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد.

 

حتى الآن، لا زالت الحكومات المتعاقبة منذ الثورة تحاول ايجاد حلول لمعضلة البطالة وتقديم مشاريع ومقترحات واستراتيجيات خاصة بحل مشاكل العاطلين عن العمل، إلا أن الأرقام لا تدل على نجاح هذه المخططات والمشاريع في تحقيق أهدافها.

 

المخطط الخماسي

 

يهدف المخطط التنموي الخماسي (2016 / 2020 (الذي أطلقته الحكومة التونسية في زمن رئيس الحكومة التونسي السابق حبيب الصيد إلى خلق ما لا يقل عن 400 ألف وظيفة جديدة والخفض من نسب البطالة لتصل إلى أقل من 12 بالمائة بحلول عام 2020. بحسب الوثيقة التوجيهية فإن المخطط يهدف لتحسين جاذبية الاقتصاد ودعم دور القطاع الخاص لتحقيق نمو اقتصادي.

 

وبحسب خبراء، قد لا تكون مهمة المخطط التنموي سهلة في ظل الوضع الاقتصادي الحالي في تونس، ويضيفون ان هناك ضعف في الخطة المطروحة كما انها تفتقر إلى آليات الإنجاز بجانب كونها نظامًا يتوافق مع سياسات الدول الاشتراكية أكثر من النهج الاقتصادي الليبرالي الذي تعتمده تونس منذ سنوات. بجانب ذلك، تتوقع المؤسسات المالية الدولية بألا يزيد النمو الاقتصادي التونسي عن نسبة 3 بالمائة كحد أقصى خلال العام 2017.

 

ريادة الأعمال والمبادرات الخاصة

 

تسعى الدولة التونسية حاليًا لترسيخ ثقافة البدء بإطلاق المشاريع أو المبادرات الخاصة بين مواطنيها وخصوصًا الشباب منهم. تتمثل المبادرة الخاصة أو الفردية في أن يمتلك الشخص فكرة أو مشروعًا نظريًا يسعى لتحقيقه وإنشائه على أرض الواقع، بما يتطلبه هذا من إجراءات اقتصادية وقانونية.

تعد الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل من أهم البرامج التي أطلقتها الحكومة للتحفيز الشباب والعاطلين عن العمل على إطلاق المشاريع الخاصة بهم. تتركز مهام هذه الوكالة حول تنشيط سوق الشغل، وتطوير الإعلام الخاص بالتشغيل، وتنفيذ البرامج التي تنهض بالتشغيل بجانب تقديم المساعدة والتمويل اللازمين لتسريع نمو الشركات الصغيرة والناشئة وغيرها من أنواع العمل الحر.

 

كما قدمت الدولة أيضًا مجموعة من الامتيازات الجبائية لأصحاب هذه المشاريع التي تمثلت في الإعفاء الضريبي على الدخل والأرباح. على سبيل المثال، وبحسب موقع وزارة التكوين المهني والتشغيل التونسية "يعفى الباعثون الجدد وأصحاب المؤسسات من احتساب المداخيل والمرابيح المعاد استثمارها في حدود 35 بالمائة من جملة المرابيح والمداخيل الخاضعة للضريبة."

 

كما أنشأت الدولة أيضًا مجموعة من المؤسسات العاملة على تمويل هذه المشاريع الصغيرة، بل تجاوزت هذه المرحلة إلى عقد المؤتمرات والندوات واللقاءات لنشر الوعي اللازم بين الشباب التونسي بأهمية تأسيس مثل هذه المشاريع في توفير الوظائف وتحريك عجلة الاقتصاد.

 

من جهة أخرى؛ يشكو الشباب المبادرون وأصحاب المشاريع الخاصة من أن البيئة والظروف غير مناسبين لإنجاز المشاريع الصغيرة كما أنّ تسهيل المعاملات الإدارية والمالية هو أمر غائب في تونس. طول الإجراءات الإدارية وتعقيدها مع قصر فترة تسديد القرض الممنوح من المؤسسات المموّلة هو أمر يضاف للتعقيدات السابقة، مع الحاجة لتعديل القوانين وإتاحة الفرصة للمنافسة العادلة. تتسبب البيئة التنظيمية في تونس في الحد من فرص النمو للشركات الصغيرة في تونس، بجانب عدم قدرتها على الإيفاء بمتطلبات المنافسة.

 

إستراتيجيات التشغيل

 

في منتصف العام 2017، أعلن مكتب البنك الدولي في تونس عن موافقة البنك على منح الحكومة قرضًا لتمويل مشروع جديد تبلغ قيمته نحو 60 مليون دولار لدعم جهود الحكومة التونسية الخاصة بمشروع "الإدماج الاقتصادي للشباب في تونس" أو ما يدعى بـ"مبادرون"، والذي يرمي لتكريس برامج التشغيل وتوفير فرص العمل للشباب التونسي كأحد حلول مشكلة البطالة المستشرية في البلاد.

 

يجمع العديد من الخبراء الاقتصاديين على أن خلق استثمارات بطاقة تشغيلية عالية هو من أهم الحلول التي يجب أن تعتمدها تونس لخفض نسبة البطالة بين المواطنين. ولتحقيق ذلك، يتوجب العمل على إرساء الاستقرار في البلاد وتحسين الاستثمارات في البنية التحتية، وزيادة جاذبية الاستثمار الخارجي، وإصلاح التعليم لتأهيل المتخرجين لمواكبة التطورات والحاجات في سوق العمل.

 

وختامًا، ينادي الكثيرون بضرورة إصلاح النموذج الاقتصادي التونسي بشكل كامل، الأمر الذي يعني إنشاء نظام ضريبي أكثر عدالة، ومكافحة الفساد، والحد من البيروقراطية في المعاملات، وتطوير مناطق الداخل التونسية التي تعاني من الحرمان، وإصلاح البنوك والمؤسسات، مع الحرص على تطوير قطاع خاص يتميز بالتنافسية.

عن: 
ميساء الخضير