الزمن اللازم للقراءة: 5 دقيقة
الإرهاب و استقطاب الشباب

رحلة جهادي

مقالة خاصة
صالح البرهومي، والد فريد البرهومي
والد "فريد" ، "صالح البرهومي" كشف لنا تفاصيل انضمام ابنه للمجموعات الإرهابية المصور: صبرين الشهبي

إنها قصة تشابك فيها الدين مع الإرهاب والجهاد مع الجنس، ضحيتها هو الجاني في حد ذاته، شاب مراهق يقبع اليوم بين جدران السجن دون حاضر او مستقبل تحاصره ذكريات الماضي البشعة حتى في المنام.

تعود أحداث القصة إلى بداية سنة 2011، ولا تزال تفاصيلها تشغل الصحف التونسية ومواقع التواصل الاجتماعي إلى اليوم.

 

قصة " فريد بن صالح البرهومي" هي حالة تنطبق على العديد من الشباب التونسيين الذين تم التغرير بهم عن طريق خلايا إرهابية تنشط في المساجد لتحثهم على "الجهاد" والانضمام للمجموعات الإرهابية المسلحة النشطة داخل التراب التونسي أو خارجه. وللسائل أن يسال كيف يتحول شباب في بداية طريق الحياة إلى جهاديين يتساوى عندهم الموت مع الحياة؟

 

والد "فريد" ، "صالح البرهومي" كشف لنا تفاصيل انضمام ابنه للمجموعات الإرهابية الناشطة بجبل الشعانبي في ولاية القصرين وكيف عدل عن تنفيذ مخططات إرهابية كان مكلفا بها والأسباب التي دفعته لتسليم نفسه للسلطات.

 

"المدارس لا تنتج الإرهاب، الإرهاب يخرج من الجوامع"

 

 

صورة فريد مرسومة بقلم والده
مع كل زيارة للمسجد يعود بفكر أكثر تشددا! المصدر: مورّدة

في ظل ارتخاء القبضة الأمنية للدولة بعد الثورة التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، بدأت عدة جماعات سلفية متشددة في تكثيف نشاطها الدعوي خاصة في المساجد والخيم الدعوية من اجل استقطاب الشباب إلى صفوفها وتجنيدهم لما يسمونه بـ"الجهاد".

 

من بين الجوامع التي شهدت نشاط هذه العناصر جامع ابن تيمية في مدينة سبيطلة وجامع التوبة في مدينة القصرين، حيث تم استقطاب فريد الذي كان يبلغ آنذاك 18 عام. "فمن يبدي تأثره أو يبكي لدى سماعه خطبة الإمام سيكون الهدف الأول لتلك الجماعات لاستقطابه، ومن ثم تبدأ عملية غسيل الدماغ خاصة إذا كان شابا في مقتبل العمر"، يقول والد " فريد" عن معايير اختيار تلك الجماعات للمقاتلين والنشاطين الجدد في صفوفها.

 

بداية تطرف الابن لم تخف على والده الذي لاحظ كثرة تردد ابنه على الجامع وهو لم يكن يوما ملتزما دينيا، "لقد أصبحت أحاديثه تنحصر في الدين وفي تطبيق الشريعة، ومع كل زيارة للمسجد يعود بفكر أكثر تشددا وكأن دماغه يبرمج من جديد تدريجيا، أصبحت الحياة بالنسبة إليه خانتين، خانة الحلال وخانة الحرام"، هكذا يصف الأب تلك الفترة التي مر بها فريد.

 

انضم فريد إلى تيار "أنصار الشريعة" الذي أسسه “أبو عياض التونسي” سنة 2011، وهو التيار الذي كان ينشط بحرية وأمام أعين أجهزة الأمن والدولة قبل أن يتم تصنيفه سنة 2013 كحركة إرهابية. وقد شارك فريد في الخيم الدعوية  والأنشطة الدينية التي أقامها هذا التيار في العديد من الولايات التونسية لتبدأ بعدها مرحلة "الجهاد".

 

تقصير أمني

 

"لقد أصبحت جاهزا للجهاد"، كانت هذه أول إشارة تلقاها فريد من القائمين على عملية التجنيد، قبل أن ينضم في بداية سنة 2013  لكتيبة عقبة بن نافع التي تنشط في العديد من المناطق خاصة في جبل الشعانبي، حيث تلقى تدريبا مكثفا على عملية زرع وتفكيك الألغام واستعمال السلاح.

 

صورة والد فريد
"قم بتسليم نفسك لوحدات الجيش المنتشرة في المنطقة وسيكون الحكم مخففا يا بني" كانت نصيحته لإبنه المصور: صبرين الشهبي

 

لقد كانت القيادة العليا للمجموعات الإرهابية تنوي إرساله إلى دولة مالي أو إلى سوريا ليقاتل إلى جانب عناصر تنظيم القاعدة هناك ثم تقرَرَ بعدها إبقاؤه في تونس، بحسب ما أكده فريد لأبيه.

 

بعد أربعة أيام قضاها في معسكرات التدريب في الجبل عاد فريد لمدينة سبيطلة لزيارة والده الذي قام على الفور بإبلاغ رئيس الدائرة الأمنية ورئيس المنطقة بأن ابنه كان متواجدا في معسكر للإرهابيين في قلب جبل الشعانبي مع عدد من المجندين الجدد وطلب منهم إلقاء القبض عليه قبل أن يتورط أكثر. حتى أنه، حسب قوله، عرض عليهم أن يتقدم بشكوى ضد ابنه تتعلق بعقوق الوالدين ليتمكنوا من إيقافه في حال افتقارهم للأدلة التي تثبت تورطه مع المجموعة الإرهابية.

 

وكانت صدمته كبيرة لعدم تفاعل الدائرة الأمنية مع الموضوع وعدم  اتخاذهم أي إجراء ضد ابنه رغم بقائه 25  يوما في المدينة قبل أن يعود من حيث أتى، ليفاجئ  بعد ذلك  بإدراج اسم "فريد البرهومي" ضمن قائمة الإرهابيين المطلوبين للعدالة.

 

فترة الشك

 

ظل فريد أثناء فترة تواجده في الجبل على تواصل دائم بأمه عن طريق الهاتف واكتفى بالاتصال بوالده مرتين، إحداهما كانت بعد مقتل الجنود التونسيين في جبل الشعانبي صيف 2013، ليؤكد له أنه لم يتورط في تلك العملية وأن مجموعة أخرى من نفس الكتيبة هي التي قامت بذبح الجنود. كما حدثه عن مخاوفه وتردده في البقاء معهم.

 

والد فريد البرهومي
"يا ولدي لو كانت الجنة في انتظارك لسبقك إليها من أرسلك إلى الجهاد" المصور: صبرين الشهبي

 

حاول والده انتهاز الفرصة لإقناعه بتسليم نفسه "ما دامت يدك لم تتلطخ بالدماء قم بتسليم نفسك لوحدات الجيش المنتشرة في المنطقة وسيكون الحكم مخففا يا بني"، كانت آخر الكلمات التي قالها "صالح" لابنه قبل أن تنتهي تلك المكالمة وتنقطع أخباره من جديد.

 

في شهر يناير 2014 عاود فريد الاتصال بوالده ليعبر له عن خوفه الشديد ورغبته في العودة إلى المنزل والفرار من المجموعة، لكنه كان يخشى أن يكتشفوا أمره فيلقى سوء عقاب. ما كان من والده إلا أن يطمئنه و يقنعه بان يهرب ليلا و يسلم نفسه لأقرب وحدة أمنية في المنطقة.

 

وبالفعل قام فريد البرهومي يوم 21 يناير 2014 بتسليم نفسه للثكنة العسكرية بمدينة سبيطلة حاملا معه سلاح كلاشينكوف وقنبلة يدوية ولغم ارضي.

 

اعتداءات جنسية متكررة

 

صورة فريد صالح البرهومي قبل تجنيده
من يبدي تأثره أو يبكي لدى سماعه خطبة الإمام فسيكون الهدف الأول لتلك الجماعات الإرهابية لاستقطابه المصدر: مورّدة

أدلى"فريد" بمعلومات لرجال الأمن قادت إلى المجموعة الإرهابية التي كانت متحصنة بمنطقة رواد بولاية أريانة والتي تم القضاء عليها في عملية أمنية ناجحة قتل فيها الإرهابي الخطير كمال القضقاضي، كما كشف عن مخططات كانت تستهدف منازل قيادات أمنية ومراكز أمنية بمدينتي سبيطلة والقصرين ودلهم على مواقع سرية ومسالك أرضية يستعملها الإرهابيون في جبال المنطقة الوعرة.

 

وأوضح أن رفضه لتنفيذ مخطط إرهابي يستهدف مركزا للأمن والسوق الأسبوعية في مدينة سبيطلة جعله مهددا بالقتل خاصة وان قائد المجموعة المدعو "مراد الغرسلي" كان قد أمر بذبحه سابقا لتقصيره في حراسة المعسكر ليلا وخلوده للنوم.

 

كما اعترف بأنه تم الاعتداء عليه جنسيا في العديد من المرات من طرف قيادات إرهابية وعلى رأسهم القيادي الملقب بـ"الشنقطي"، وهو جزائري الجنسية. وقد أكد تقرير الطب الشرعي بأنه تعرض لاعتداءات جنسية متكررة.

 

"لم تكن تلك الجنة التي ابحث عنها يا أبي"، هذا ما قاله فريد لوالده خلال آخر زيارة له في سجن المرناقية بتونس، وعبر له عن ندمه الشديد. لكن الندم اليوم لا ينفع، فقد حكمت المحكمة الابتدائية بتونس عليه مؤخرا بسجنه 13 سنة مع 5 سنوات مراقبة في قضية ذبح الجنود التونسيين صيف 2013.

 

وبين مرارة الندم، وبشاعة الذكريات وظلمة المستقبل يقبع فريد في سجنه آملا أن يخفف الحكم عليه في محكمة الاستئناف.

 

قصة فريد بن صالح البرهومي باتت عبرة لكل من يوهمه أصحاب البلاء بأن قتل الأبرياء وسفك الدماء جزاءه جنة الخلد و72 عذراء. فقد كان والده يقول له دائما: "يا ولدي لو كانت الجنة في انتظارك لسبقك إليها من أرسلك إلى الجهاد".

 

صندوق الحقائق

 

ولاية القصرين

تقع ولاية القصرين في الوسط الغربي لتونس ولها شريط حدودي مع الجزائر يمتد على طوله 220 كلم. وتضم القصرين أعلى قمة جبلية في تونس وهي جبل الشعانبي. تبعد الولاية عن العاصمة 290 كم ويبلغ عدد سكانها 438 ألف نسمة (حسب المسح الوطني للسكان لسنة 2012)، وتحتل المرتبة الأولى من حث معدل الفقر في البلاد.

 

مدينة سبيطلة

مدينة سبيطلة هي أحد معتمديات ولاية القصرين وتبعد عن القصرين المدينة حوالي 35 كلم.

 

كتيبة عقبة بن نافع

كتيبة عقبة بن نافع هي مجموعة جهادية مسلحة مرتبطة بتنظيم ما يسمى بـ "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وتحمل اسم القائد العسكري الذي فتح تونس. تنشط هذه الكتيبة في تونس منذ سقوط نظام بن علي، وتتحصن عناصرها منذ سنة 2012 بجبال ولاية القصرين واغلبهم كانوا نشطاء في تيار أنصار الشريعة.
وتصنف وزارة الداخلية التونسية كتيبة عقبة بن نافع كجناح مسلح لتيار أنصار الشريعة السلفي الجهادي. أبرز عملياتها:
-29 يوليو/ تموز 2013 اغتيال ثمانية جنود في جبل الشعانبي بعد أن ذبحت خمسة منهم في حادثة اهتزت لها البلاد.
-18 مارس/آذار 2014 هجوم استهدف متحف باردو وقتل فيه 22 شخصا بينهم 21 سائحا أجنبيا.
-29 أغسطس/ آب 2016 مقتل ثلاثة جنود في جبل سمامة ـ سبيطلة

 

أبو عياض التونسي

أبو عياض التونسي واسمه الحقيقي سيف الله بن حسين من مواليد 8 نوفمبر1965، زعيم ومؤسس تيار أنصار الشريعة في تونس. قاتل في صفوف تنظيم القاعدة في أفغانستان وغادرها إلي تركيا حيث ألقي عليه القبض ليسلم بعدها، أي في 2003، إلى السلطات التونسية حيث حكم عليه بـ 68 عام من قبل محكمة عسكرية بتهمة الخيانة العظمى والانتماء إلى مجموعة إرهابية تنشط في الخارج.

 

قضى أبو عياض ثماني سنوات بالسجن ليخرج منه بعد الثورة في إطار عفو تشريعي عام، ليؤسس بعدها تيار أنصار الشريعة الذي تم حظره وتصنيفه كحركة إرهابية في أوت/ أغسطس 2013. بعد الحظر أصبح ابو عياض بقائمة المطلوبين للعدالة وتوجه إلى ليبيا حيث لا يزال مصيره غامضا إلى اليوم.

عن: 
صبرين الشهبي