الزمن اللازم للقراءة: 8 دقيقة
إسرائيل و الأزمة السورية

مرتفعات الجولان تحفز التحول الاستراتيجي

تحاليل
مرتفعات الجولان في الصراع بين إسرائيل وإيران
محطات الاستماع الإسرائيلية في مرتفعات الجولان آدم جونز / ويكيميديا كومنز

اسرائيل لا تتقبل فكرة الاستقرار الإيراني في الأراضي السورية على بعد بضعة كيلومترات عن حدودها.الضربات الجوية من قبل "قوات الدفاع الإسرائيلية"، ردّاً على القصف الصاروخي الذي أمرت به ايران على مرتفعات الجولان، ينذر بتحول الاستراتيجيات القائمة في المنطقة

 

حتى وقت سابق، كانت المواجهات العسكرية بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، تعتبر التصعيد الوحيد الذي اثار مخاوف اشتعال مواجهة عسكري في المنطقة؛ إلى أن أمر الجيش الإيراني بإطلاق صواريخ على مرتفعات الجولان المحتل اسرائيلياً في أيار الماضي. الرد الإسرائيلي على ذلك القصف، الذي تمثّل بحملة من الغارات الجوية كانت الأكبر من نوعها، منذ عام 1974، على الأراضي السورية؛ وبالرغم من انها فاجأت الجميع، إلا ان موقع المواجهة لم يكن عشوائياً.

 

إن هذه البقعة الجغرافية التي احتلت، ومن ثم أضحت موضع نزاع، خلال الحروب العربية الإسرائيلية في 1967 و 1973، أصبحت موضوع مفاوضات دبلوماسية شرسة بين الدولتين. إن الموقع الاستراتيجي التي تحتله هذه الجغرافيا، بالإضافة إلى ثروتها المائية، ومكانتها الإيديولوجية والجيوسياسية التي تضرب جذورها في تاريخ الدولتين، يجعل منها موضوع نزاع إقليمي؛ مشكلةً العنصر الرئيسي لإمكانية قيام عملية سلام إسرائيلية - سورية.

 

لكن الفراغ السياسي للدولة السورية منذ اندلاع النزاع في عام 2011 وغياب حوار دبلوماسي ملموس، بدا وكأنه فتح الباب لخرق سياسي غير مسبوق، ووضع الدولة العبرية، فعلاً، في موقع القوة الاستراتيجية. في عام 2014 ، وخلال الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء الإسرائيلي، والذي عقد لأول مرة في هضبة الجولان منذ عام 1967، طالب بنيامين نتنياهو "بأن يعترف المجتمع الدولي بالواقع" وأنه "بعد خمسين سنة ، يجب ان يدرك أخيراً أن مرتفعات الجولان ستبقى إلى الأبد تحت السيادة الإسرائيلية".

 

ومنذ ذلك الحين ، دفع التقدم التدريجي، لقوات حزب الله والميليشيات الشيعية المدعومة ايرانياً، على الأراضي السورية الحكومة الإسرائيلية اليمينية، إلى تشديد خطابها. كان الهدف من هذا هو طمأنة الإسرائيليين من مخاوفهم تجاه التهديد الأمني القادم من الجار الشمالي، ومحاولة لتعزيز سيطرة الدولة العبرية على إقليم لا يعترف المجتمع الدولي بضمه، تحت سيادتها، بأي حال من الأحوال. ولكن على ما يبدو ان الإسرائيليين لم يكن يلزمهم الكثير من الإقناع، حيث أظهر استطلاعات للرأي، أن ما بين 60 إلى 70٪ من الإسرائيليين يرفضون إعادة مرتفعات الجولان إلى سوريا حتى ولو أدى ذلك اتفاق إلى سلام دائم مع دمشق. ويبدو أن الحرب الأهلية السورية قد قوّت أسس هذه النتيجة.

 

وكما هو جلي أن إسرائيل قد فضلت مراقبة السنوات الأولى للحرب الأهلية السورية من بعيد، والانتظار بينما يشاهدون أعداء إسرائيل يمزقون بعضهم بعضاً ويضعفون من دون حتى ان تضطر إسرائيل إلى التدخل العسكري. كان هذا قرار متهورة إلى حد، من قبل هيئة الأركان العامة الإسرائيلية، فيما يتعلق بالأزمة السورية – التي كانت هدية السماء لهم – ولكن هذه الهدية تبدو الآن وكأنها ذهبت ادراج الرياح، حيث أن إسرائيل الآن تشارك عسكرياً في "حرب وقائية" غير معلنة. حيث تم تنفيذ أكثر من مئة غارة جوية في جنوب سوريا استهدفت بشكلرئيسي المستودعات والقوافل الإيرانية التي تحمل أسلحة روسية الصنع إلى حزب الله والجيش السوري الموالي لبشار الأسد.

 

إن إسرائيل  تنوي منع تشكيل قوس استراتيجي يمتد من طهران إلى بيروت عبر دمشق. من هذا الكابوس الجيوسياسي ولدت واقعية إستراتيجية، لم يفتأ رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، عن تهويلها، من خلال الذهاب والإياب  بين موسكو وتل أبيب ، كما أكد في أحد خطاباته إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين: "أن «الجمهورية الإسلامية» تحاول، وبمساعدة الجيش السوري، بناء جبهة إرهاب ثانية ضدنا في هضبة الجولان". وأضاف أن" إيران وسوريا سلحتا منظمة إرهابية إسلامية «حزب الله» بأسلحة متطورة."

 

تبدو هذه الاستراتيجية مثمرة في الوقت الحالي لأن موسكو ،الوسيط الرئيسي في الصراع، يجب أن تترجم "سياسياً" الجهود الحربية التي بذلت منذ عام 2013 في سوريا، فلا أحد يريد حرباً مفتوحة بين إسرائيل وإيران. إن مثل هذا السيناريو الكارثي من شأنه أن يفسد إرادة ورغبة روسيا في التأكيد على إبقاء قبضة بشار الأسد على السلطة. شهر العسل بين موسكو وطهران ، والذي غالباً ما تم تضخيمه في وسائل الإعلام بدأ يتلاشى لأن إيران الحليف حالي، معزول الآن على الساحة الدولية وبدأ يصبح عالة على موسكو.

 

تحت رعاية موسكو ، يتم إنشاء منطقة عازلة بعرض 20 كم على طول حدود مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل في محافظة القنيطرة. هذا الشريط الطويل، الذي هو منطقة تبعد المقاتلين "أجانب"، تستطيع الأردن تخطيطها وإقامتها في محافظة درعا. إن هذا التحفظ من الجانب الروسي، هو أداة تستخدمها موسكو لكي تبقي سيطرتها على الوضع في سوريا، وفي نفس الوقت لتخمد الحماسة الإيرانية. وقد نالت هذه المناورة أشادة وزير الدفاع الإسرائيلي ، أفيغدور ليبرمان ، خلال زيارة قام بها إلى موسكو إلى جانب نظيره الروسي سيرجي شويغو: "تقدر دولة إسرائيل فهم روسيا مخاوفنا الأمنية ، خاصة فيما يتعلق بالوضع على حدودنا الشمالية. ويبقى أن نرى الان ما إذا كانت إيران ستقبل بسهولة بتطبيق الشروط الروسية، بعد ما دفعت ثمناً لباهظاً في هذا الصراع ".

 

أما بالنسبة لروسيا ، التي يبدو أنها تريد اللعب على العديد من الأطراف للتمتع بحرية مطلقة للتصرف في سوريا ، فلا يخفي فلاديمير بوتين الوجود التاريخي للعلاقات القوية بين بلاده وإسرائيل. كما أنه لا ينسى أن الدولة العبرية تشكل واحدة من الجسور القليلة التي تصل الولايات المتحدة وإدارة ترامب مع الشرق الأوسط. لم تعد الولايات المتحدة تلطف خطابها حول الاعتراف بالضم الإسرائيلي لمرتفعات الجولان. في الواقع، هذا العمل هو جزءاً من منطق سياسي غير مسبوق تستخدمه الولايات المتحدة مؤخراً ، وتحديداً لوضع سياسات لا هوادة فيها لزعزعة استقرار إيران وحليفها السوري، هذا العمل سيشكل حجر الأساس في التفوق الأميركي في المنطقة.

 

وعلى أي حال ، فإن الاعتراف بضم الهضبة يظل معلقًا في الوقت الحالي بسبب تقلّب السياسة الداخلية الأمريكية. وستحدد الانتخابات النصفية نتائج مثل هذا السيناريو، الذي يستخف حتما بمصير السكان السوريين في مرتفعات الجولان ، الذين لا يزال معظمهم يرفضون الحصول على الجنسية الإسرائيلية. 


كلايد فيشيز صحافي فرنسي حاصل على بكالوريوس في الصحافة ، وماجستير في الجغرافيا السياسية مع التركيز على العلاقات الإسرائيلية مع الشرق الأوسط 

عن: 
كلايد فيشيز