الزمن اللازم للقراءة: 10 دقيقة
مراكز الاحتجاز في ليبيا

بين مطرقة الحبس وسندان الرصاص

مقالة خاصة
مراكز الاحتجاز في ليبيا
هؤلاء العائلات اصبحوا بلا مأوى. بعضهم لديهم فرش ينامون عليها وبعضهم يعيش تحت الجسور. المصور: أليسيو رومينزي

الكثيرون ممن يسعون إلى اللجوء إلى أوروبا يجدون أنفسهم تائهون في ليبيا التي تعيش حرباً مع نفسها. السيدات والبنات ينتظرن نتائج قرعة إعادة التوطين وسط القنابل، فيما يواجه الأزواج والأبناء خيار إما الحجز أو الإجبار على المحاربة بجانب الميليشيات المحلية.

بعد أن استيقظت من نومها واحتضنت ابنتها، تعبر نعيمة الشارع وتسير مئات الأمتار للوصول إلى مبنى التجمع والمغادرة الخاص بالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، مستفسرةً عن مصيرها. لقد اعتادت فعل الأمر نفسه كل يوم منذ أن فرت من حيّها "قصر بن غشير" الذي كان في مرمى النيران منذ أن وصلت أهوال الحرب إلى طرابلس. ومنذ ذلك الحين لا تملك مكان تقيم فيه، وتعيش في الشارع. ولدت ابنة نعيمة بعد ستة أيام من بداية الهجوم الذي شنه خليفة حفتر على العاصمة الليبية. قبل شهرين اختطفت إحدى الميليشيات المُسلحة زوجها. في المرة الأولى التي اختُطف فيها أُخذ إلى سبها -نحو 640 كيلومتراً جنوب طرابلس- حيث أُجبر على العمل لصالح إحدى الجماعات المسلحة حتى دفعت أسرته فدية لإطلاق سراحه. ولم تتلق نعيمة أي أخبار عنه بعد أن اختُطف للمرة الثانية. وتُركت هي وابنتها، ذات الستة أشهر، ليتوليا أمرهما. كالعديد من العائلات الأخرى في الشارع، لم يجدوا أي ملجئ في المنشآت الأممية أو المنشآت التي تتولى الدولة الليبية إدارتها.

 

تصطف النساء يومياً خارج مبنى التجمع والمغادرة، متأملين بوجود أسمائهن على قائمة المرحّلين. يُلوحن بأوراق تسجيلهن وجميعها يحملن ختم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. بعضهن ينتظرن لستة أشهر وأخريات لعامين. يبدو الأمر وكأنهن ينتظرن نتيجة سحب اليانصيب ممسكين بتذاكرهن بشغف، أما الجائزة الكبرى فهي ركوب طائرة  المفوضية – السبيل الوحيد لمغادرة ليبيا.

 

تقول نعيمة: "أشعر بالخوف لأنه لا مكان لديّ للذهاب إليه. أذهب إلى مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين كل يوم، أخبرهم بأنني بحاجة إلى المساعدة، وأقوم بالأمر نفسه مع الشرطة، والأمر ذاته مع المكتب الدولي للهجرة. أريد أن أعرف إذا كان زوجي بمركز احتجاز. أفضل أن يكون محتجزاً على قيد الحياة ، على أن يكون قد تُوفي بعد إجباره على القتال". تحتضن ابنتها بينما تومض إلى امرأة حامل تجلس وحيدةً بجوارها. "نحن لا نتوقف عن البكاء. نعلم أن أحداً لن يساعدنا. ارجوك ساعدينا."

 

في نهاية شهر أبريل، فرت كذلك "نفيسة سيد موسى" وابنها "عبد الله" من قصر بن غشير خوفاً من قصف حفتر. تتشابه قصتهما مع عشرات الآخرين، الحرب والفرار والموت والأمل في حياة أفضل، ثم التعذيب والفدية والسجن. لقد فروا معاً إلى ليبيا بعد أن حُرقت قريتهم في دارفور في هجمات ميليشيا الجنجاويد، اختُطف فيها زوج نفيسة وولديها الآخرين. يقول ابنها ذو السبعة وعشرون عاماً: "لقد انتقلنا من مدينة لأخرى إلا أن الحروب تبعتنا." فقد تم اختطافه وتعذيبه لمدة شهرين في ليبيا على يد جماعة طلبت فدية لإطلاق سراحه. وتقول نفيسة -44 عاماً- أن مهاجرين آخرين من دارفور قد ساهموا في فدية ولدها. "بعض الأشخاص دفعوا 20 ديناراً بينما دفع آخرون 50 حتى جمعنا المبلغ الذي طلبوه، وكان هناك أشخاص آخرون من دارفور يعلمون أنني لم أكن أملك المال الكافي لدفعه وأنه الابن الوحيد الذي تبقى لي."

 

لا يفارق وجه "عبد الله" العبوس، "لقد فقدت ابتسامتي للأبد. لقد بقيت على قيد الحياة بعد الحريق الذي لحق بقريتي لأني كنت أعمل بالحقول عندما قضى والدي وشقيقيّ، بالرغم من أنني كنت ما أزال طفلاً. لم يتبق شيء من قريتنا أو أسرتنا". اختُطف عبد الله من قبل ميليشيا مسلحة في بلدة "أم الأرانب"، ومن هناك نُقل إلى سبها، جنوبي غرب ليبيا.

 

بعد أشهر من التعذيب يبدو جلده الآن وكأنه خريطة للعنف. إنه يعرض علامات الحديد التي حرقت ظهره وذراعيه منذ وقت وجوده في بني وليد وندب إطفاء السجائر في جسده أثناء وجوده في مركز احتجاز غير قانوني في طرابلس. "لقد أخبروني أنه إذا لم يكن لدي مال، اتصل بأسرتك واطلب منهم أن يرسلوا بعضاً منه. عليك أن تختار بين الدفع أو العمل أو القتال، ومن يحاول التمرد يموت. لقد رأيت الكثير من الناس يموتون حولي. لحسن الحظ أن آخرين قد ساعدوا أمي في الدفع لإطلاق سراحي، لكنني لن أنسى ما شهدته في أماكن الاحتجاز تلك." بعد سداد الفدية، وصل عبد الله وأمه إلى طرابلس ودقا باب مكتب المفوضية الأممية العليا لشؤون اللاجئين وسجلا نفسيهما للحصول على الحماية الدولية، ثم وجدا مأوىً لهما لدى أسرة سودانية في قصر بن غشير، وبعد شهر بدأت الحرب. تنظر نفيسة إلى ابنها وتقول "لديّ حلم واحد -حياة كريمة. أحلم بأوروبا لابني – أتخيله يعمل ويبتسم – فقط ذلك ما أحلم به."

 

وبعد الهروب من منطقتهم التي كانت على خط الجبهة، نزلت نفيسة وعبد الله في مدرسة يديرها الهلال الأحمر الليبي في وسط مدينة طرابلس إلى جوار ستين أسرة أخرى. كان هناك القليل من الطعام والقليل من المساعدة والماء القليل الذي كان موجود كان غير نظيف، لكن على الأقل لدينا سقف يغطينا وحمام. وبعد بضعة أسابيع، طلب مالك المبنى من الهلال الأحمر الليبي ترك المدرسة بسبب المخاوف التي أثارها السكان المحليون الذين اعتقدوا أن المهاجرين حرموا النازحين الليبيين من مساعدة المنظمات الإنسانية.

 

ولذا من حينها أُلقي بهذه العائلات في الشارع، لدى بعضها فرش وأخرى من دونها، ولا يزال آخرون يأوون أسفل الجسور. هذا هو المكان الذي يمكن فيه العثور على نفيسة وعبد الله نائمين هناك مع العديد من السيدات الوحيدات و15 طفلاً بعضهم حديثو الولادة.

 

عمل أسعد الجعفر -أحد موظفي الهلال الأحمر الليبي- على تقديم الدعم للعائلات في مركز المدينة، ويستمر في تقديم المساعدة لهم الآن وهم في الشوارع حيث أصبح الوضع غير قابل للاستمرار. يقول: "يخاطر الرجال بإمكانية اختطافهم وإجبارهم على القتال بجوار الميليشيات، أما السيدات فيخاطرن بإمكانية اختطافهن والاعتداء جنسياً عليهن." ثم أشار بعد ذلك إلى الفرش القذرة على الأرض ودلاء المياه غير النظيفة التي تُعد بديلاً رديئاً للحمامات. أحياناً يذهب الناس إلى المسجد حتى يتمكن الأطفال من الاغتسال على الأقل. ويقول الجعفر إنه يحاول التواصل مع الأمم المتحدة منذ شهور دون أن يتلقى رداً.

 

"تتحمل الأمم المتحدة مسؤولية كبيرة تجاه هذا الأمر، فتراهم على شاشات التلفاز يصيحون بأنهم لا يرغبون في رؤية المزيد من الناس يموتون في البحر. وأنا أتسائل ما هو الفرق في وجهة نظرهم بين رؤية الناس يموتون في البحر وتركهم يموتون في الشوارع. ترى كلمات مثل "حقوق الإنسان" تملأ أفواههم، هؤلاء هم البشر أصحاب هذه الحقوق، فأين هي الحقوق؟"

 

مكتب التسجيل التابع للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين يقع على الطرف الآخر من الشارع. ينام الناس في جواره كي يتمكنوا من الحصول على المعلومات والمساعدة وطلب إعادة التوطين.

 

إن الوحشية المستمرة في الصراع المجاور، إلى جانب عمليات القصف الجوي الليلية تترك كل من يطلب الإيواء في المجاورة على حافة الخطر. يؤكد الجعفر أن في طرابلس لا يوجد مكان في مأمن من القذائف. "هؤلاء الناس الذين قرروا أن يعيشوا هنا لأن هناك قاعدة عسكرية تبعد فقط 50 متراً ويعتقدون أنها تمثل حمايةً جيدةً من اعتداءات الميليشيات المسلحة في المنطقة، ولكن القواعد العسكرية هي أول ما يستهدفه حفتر. تخيل أنك امرأة بمفردها هنا زوجها مخطوف وبصحبة طفلة تبلغ ست سنوات لا تعرف شيئاً إلا الشارع."

 

حذرت المنظمات الإنسانية خلال أشهر العنف الطويلة في طرابلس بشكل متكرر من وضع 6,000 مهاجر ولاجئ ممن يُحتجزون في مراكز احتجاز بمحاذاة خط الجبهة. وأكدت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في تقرير لها إصابة شخصين في قصف جوي بتاريخ 8 مايو بالقرب من مركز احتجاز اللاجئين يضم أكثر من 500 شخص. وفي آخر شهر أبريل ظهرت تقارير بأن الميليشيات فتحت النار في منشأة أخرى بطرابلس – قصر بن غشير. أما الهجوم الأكثر خطورة فقد وقع في منشأة الاحتجاز في تاجوراء بتاريخ 2 يوليو. وفي صباح 11:30 ضرب قصف جوي المنشأة التي كان يُحتجز فيها 600 شخص بحسب المفوضية الأممية العليا لشؤون اللاجئين، وعلى الأقل قُتل 53 شخصاً وأُصيب 130 في الهجوم.

 

وفي شهر فبراير 2017، وقعت الحكومة الإيطالية برئاسة باولو جينتيلوني مذكرة تفاهم مع الحكومة الليبية برئاسة فايز السراج، وهدفت إلى توفير التدريب لغفر السواحل الليبية وتمويل مراكز الاحتجاز بما يهدف وفقاً للمادة 2 من مذكرة التفاهم إلى "تحسين الظروف وتوفير التجهيزات والمعدات الطبية". وستُجدد هذه الاتفاقية تلقائياً في 3 نوفمبر، ومع ذلك لم يتم وضع أي استراتيجية أوروبية مستدامة بشأن الهجرة، وسط ارتفاع دعم الحركات السياسية الشعبوية واليمينية المتطرفة عبر القارة. وفي الوقت نفسه تقدّر ليبيا خسائرها البشرية في حربها الأهلية الرابعة خلال ثمان سنوات بنحو 1,100 قتيل و5,800 مُصاب ونحو 120,000 نازح. يدخل الكثير من المهاجرين ضمن عداد الموتى كونهم محاصرين وسط تبادل إطلاق النار.

 

نشرت مؤخراً منظمة أوكسفام الخيرية البريطانية مذكرة تُبرز تكاليف مذكرة التفاهم تلك في السنوات الأخيرة. ومن جانبه، صرح باولو بيزاتي، مستشار السياسات بشأن أزمة الهجرة لأوكسفام إيطاليا قائلاً: "لقد جمعنا شهادات فظيعة على التعذيب والاغتصاب والقتل الذي يجري في معسكرات الاحتجاز الليبية. لقد سمحت الاتفاقية التي وقعتها الحكومة الإيطالية مع ليبيا بحصول المخالفات غير المُبلغ عنها وبالتالي يجب ألا تُجدد." وبالرغم من الظروف غير الإنسانية التي يعيشها المهاجرون في ليبيا، فقد استمرت حكومات إيطالية متعاقبة في تمويل التدخلات في الدولة، وشمل ذلك تدريب موظفين محليين في مراكز الاحتجاز الرسمية وتوفير المركبات البرية والبحرية لخفر السواحل والسلطات الليبية. وقد زادت تكلفة هذا الدعم عاماً بعد عام لتصل إلى 150 مليون يورو. لا أحد يعرف على وجه التحديد قدر الأموال التي أرسلت من أوروبا إلى طرابلس، أو كم عدد الذين يطلبون اللجوء بذريعة الصراع في ليبيا.

 

دعا عضو البرلمان الإيطالي عن الحزب الديمقراطي، ماتيو أورفيني، إلى فتح تحقيق حول تلل التمويلات وأين صرفت. "العديد من التحقيقات الصحافية أظهرت وجود علاقات واضحة تماماً بين إيطاليا وليبيا، وفرضية أن مفاوضات قد جرت بين أجهزة الدولة ومهربي البشر تبدو صحيحة. ولكن ما من رد رسمي حتى الآن يمكنه أن يُبدد الشكوك. والوسيلة الأكثر ملائمةً للتحقيق فيما يجري بين إيطاليا وليبيا هو استجواب برلماني."

 

ذكرت مذكرة التفاهم أن تلك الأموال مخصصة أيضاً لتحسين ظروف مراكز احتجاز المهاجرين وتوفير التدريب على حقوق الإنسان للموظفين المحليين. وخلال هذا الوقت كان من المفترض ان تقوم الأمم المتحدة بنقل اللاجئين من ليبيا إلى مكان آخر. غير أن الأرقام تروي قصة أخرى. لم تبدأ عمليات إعادة التوطين من ليبيا إلا بنهاية عام 2017 ومنذ ذلك الحين تم نقل 2,000 شخص فقط في العام. وبما أن الدول الأوروبية لا ترغب في استقبال مهاجرين جدد، فقد ادعت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بأنها قد أُجبرت على إيلاء الأولوية للفئات الأكثر : السيدات والقُصر دون رفقاء والأسر، ويزعم مهاجرون كُثُر أن موظفي الأمم المتحدة المحليين يطلبون رشاوى لتعجيل إجراءات الإخلاء، الأمر الذي من شأنه إعاقة عملية إعادة التوطين. ما لا شك فيه أنه بالرغم من التدفق الزائد في التمويل من أوروبا، فإن الظروف المعيشية للمهاجرين في مراكز الاحتجاز تظل أليمة وربما أسوأ مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات.

 

كان محمد -الذي فر من غانا- من بين المحتجزين في تاجوراء، فقد نجا من القصف والاختطاف من قبل عناصر الميليشيات الذين كانوا سيجبرونه على القتال. وقد حاول قبل ثلاثة أسابيع العبور إلى أوروبا مجدداً إلا أن خفر السواحل الليبية قبضوا عليه وأعادوه إلى الاحتجاز، هذه المرة في معسكر في طريق السكة. وهذه المنشأة هي إحدى المراكز التي تديرها اسمياً وزارة الداخلية الليبية. ولكن في ظل عدم وضوح الخط الفاصل بين القانونية وعدم القانونية في ليبيا، فإنه من الصعب تحديد المراكز الخاضعة فعلياً لسيطرة الحكومة من التي تدار من قبل الميليشيات المُسلحة، إذ أن هناك العشرات من المنشآت التي يديرها بشكل مباشر المهربون وعناصر الميليشيات وحيث وصف المهاجرون بأنهم قد تعرضوا للتعذيب والابتزاز والاغتصاب وكل أشكال الاعتداء.

 

يستضيف مركز احتجاز طريق السكة نحو 300 شخص، معظمهم يُحتجز في قسم الرجال الذي هو أكبر بقليل من قفص. ولدخول المركز يجب المرور عبر بوابتين ثم من خلال متاهة من الأوساخ والأسلاك تكسو المجمع. يقف رجل مغربي ويقول مرحباً بكم في الجحيم. يتشارك المحتجزون ست حمامات مشتركة منها ثلاث مسدودة. يرقد المرضى على الأرض دون رعاية. بينهم يجلس صبي مريض فقد القدرة على استخدام قدميه. وأسفل الغرفة هناك شخص يصلي وآخرون يتمددون على فرشات قذرة، ويمكن سماع صوت القذائف على بعد مسافة حيث تبعد الجبهة سبع كيلومترات فقط.

 

ومنذ ستة أشهر، عينت حكومة السراج العقيد مبروك عبد الحفيظ رئيساً جديداً لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية وكلفته بإعادة هيكلة الجهاز. يعرف عبد الحفيظ أن مكافحة تهريب البشر في ليبيا يعني القتال ضد قبائل وعشائر ذات نفوذ ولا سيما في بعض المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة. وصرح: "نعتقد أن هناك تقريباً 6,000 شخص في المراكز التسع الخاضعة لسيطرتنا الرسمية، ولكن العدد الإجمالي من المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا هو 700,000". "هناك مراكز خارجة عن سيطرتنا في شرق البلاد وغربها على حد سواء. لقد أغلقنا بالفعل ثلاثة مراكز من بينها مركز الكراريم في مصراتة وكذلك المراكز في تاجوراء بعد القصف. لقد كانت بالفعل في يد الجماعات المسلحة. ونرغب في غلق المركز الموجود في الزاوية بعد ذلك (45 كيلومتراً غرب طرابلس)، وسيكون الأمر الأكثر صعوبة لأنها منطقة تتداخل فيها العديد من المصالح الاقتصادية المختلفة."

 

واجه محمد تلك الاعتداءات لشهور في مراكز احتجاز قانونية وغير قانونية على حد سواء، في الصحراء وعلى الساحل. كما عانى من اعتداءات في تاجوراء حيث يقول إن الميليشيات تتمتع بسيطرة لا ينازعها فيها أحد. "كان الحرس إما مُهددين أو يتعاونون طواعيةً مع الميليشيات. في مرات عديدة، يقوم الحراس الليليون بفتح الأبواب لعناصر الميليشيات الذين يقومون بنقل جماعات من المهاجرين لتحويلهم إلى عبيد أو مقايضتهم بفدية مع أسرهم." واليوم ما زال محمد يرتدي الملابس التي كان يرتديها في الليلة التي أمسك فيها به خفر السواحل.

 

تظل بقايا الملح على سرواله وسترته. مرت ثلاثة أسابيع منذ أن فقد حذائه في البحر وهو حافي القدمين منذ ذلك الحين. لديه عينا شخص نجا من الموت مرتين للتو، تتقدان بالخوف والرغبة في الحرية، بالرغبة في البقاء، وبذكرى زوجته وأبنائه.

 

"كانت آخر مرة نتحدث فيها في الليلة التي حاولت فيها عبور البحر الأبيض المتوسط. وعندما أحضرني خفر السواحل إلى هنا، استولى الجنود على قليل المال الذي تبقى معي وهاتفي. لا تعلم زوجتي أين أنا وما إذا كنت حياً أو ميتاً."

عن: 
فرانشيسكا مانوكي