الزمن اللازم للقراءة: 8 دقيقة
لقاء مع جعفر عبد الكريم حول برنامجه "شباب توك"

"كصحفي دوري أن أكون مرآة تعكس الواقع"

مقابلة
لقاء مع جعفر عبد الكريم حول برنامجه "شباب توك"
الصحفي جعفر عبد الكريم في حلقة شباب توك المُسجلة من السودان مؤسسة دويتشة فيله

الصحفي جعفر عبد الكريم، مقدم برنامج شباب توك وصاحب كتاب "أصدقاء أم غرباء"، في حوار عما يشغل الشباب العربي ويتناول موضوعات حقوق المرأة ويقول: "يجب الحديث عن المرأة العربية الضحية دون الخوف من اتهامات البعض بإن ذلك سيضع المرأة العربية في قالب الضحية."

زينيت: هل تعتبر نفسك مناصرا للمرأة؟

عبد الكريم: إذا اعتبرنا ان دعم حقوق المرأة، والايمان أن تحقيق المساواة التامة بين الرجل والمرأة هو أمر جيد ومهم، هو مناصرة للمرأة، فنعم اعتبر نفسي مناصر لها. لكن هناك اختلاف بين الصحفي والناشط الحقوقي، ودوري كصحفي هو عرض موضوع حقوق المرأة ومناقشته كصحفي وليس كناشط حقوقي، فأنا لا أقدم نفسي على أنى ناشط حقوقي.

 

هل تستطيع المرأة في المجتمعات العربية الذكورية أن تخوض نضال للحصول على حقوقها لوحدها؟

من واقع خبرتي، أرى إن عملية تحرير النفس تبدأ حين يبدأ المرء في مراجعة أفكاره وإعادة التفكير في حقوقه وإذا كان قادرا على الحصول على تلك الحقوق أم لا. يجب أن نعلم جميعا أن حقوق الإنسان هي مبادئ لا تتجزأ ويستحقها كل إنسان في العالم بأسره. وبالتالي، يجب على الانسان، امرأة او رجل، أن يسعى للوصول إلى حقوقه كاملة. كما يجب على المرء أن يعلم أن النضال للحصول على الحقوق الكاملة لكل المواطنين لن يكون أمرا سهلا.

 

 لا أقارن وضع حقوق المرأة في الوطن العربي بوضع حقوق المرأة في أوروبا. ولكن اعتمد على الوقائع والتقارير

لقد ذكرت في كتابك "أصدقاء أم غرباء؟" إنه أصبح لديك "نظرة ألمانية" للأمور. ماذا تقصد بذلك؟

أشير بالأساس إلى مبادئ الدستور الألماني التي تنص على التسامح، المساواة، تقبل الآخر، حرية الرأي وحرية الإعلام، حماية الأقليات، حيث تمثل هذه المبادئ الدولة الألمانية التي نعيش بها اليوم. لقد قدّمت المانيا الكثير لي شخصيا، فقد حققت الكثير هنا وبدون محاباة ومحسوبية. هنا يستطيع المرء تحقيق ما يريده إذا اجتهد، بغض النظر عن لون البشرة، الدين، الجنس أو الميول الجنسية. أقدر هذا الأمر كثيرا، ولكنه واقع مختلف عن الواقع العربي.

 

هل تعتقد إن تقييم مشاكل السيدات في البلاد العربية أو النظر إليها من وجهة نظر "ألمانية" هو أمر مناسب أو عادل؟

لم أقم بتقييم معارك السيدات في الوطن العربي من منظور غربي. ولقد أوضحت في كتابي إن تغيير الأوضاع في البلاد العربية يجب أن يقوم به مواطني البلاد العربية، ولا يمكن أن يتم عن طريق فرض التغيير من الغرب. إني حذر للغاية وأحاول مراعاة الموضوعية عند النظر للواقع العربي، ولا أقارن وضع حقوق المرأة في الوطن العربي بوضع حقوق المرأة في أوروبا. ولكن اعتمد على الوقائع والتقارير، فعلى سبيل المثال: تحتل البلدان العربية المراكز الأخيرة، بناء على تقارير الأمم المتحدة، المتعلقة بأوضاع حقوق المرأة ومؤشرات الفجوة بين الجنسين. بالنظر أيضا إلى القوانين التي تطبق في البلاد العربية (مثل قوانين الأحوال الشخصية)، فنجد إنه بالتأكيد هناك عدم مساواة بين المرأة والرجل. لا أنكر إن المرأة هنا (في ألمانيا) تعاني من بعض المشاكل مثلا اختلاف الاجور بين الرجل و المرأة، ولكن لم أكن مهتم بعرض مقارنات، في الكتاب، بين مكان وأخر، ولكني كنت مهتم برسم صورة للواقع العربي من خلال عرض موضوعي للأفراد وخبراتهم الشخصية الحياتية.

 

 

ولكن قد تم الاشارة عدة مرات لجملة "من مفهوم غربي"؟

عندما استخدمت هذه الجملة كنت أحاول توضيح الصورة للقارئ الألماني، ولكني لا أقارن بين الشرق والغرب، ولا أريد أن اشارك في ترسيخ هذه الخطاب، الذي يصور الغرب على انه على دراية أكبر بما يحدث في الشرق، وينصح المرأة العربية الشرقية بما هو أفضل لها.

 

الحديث عن المشاكل الجندرية التي تتعرض لها المرأة العربية امر مهم جداً، ولكن ألا تعتقد ان الحديث فقط عن هذه المشاكل يختزل المرأة في صورة الضحية، لا أكثر ولا أقل؟

هذه نقطة في غاية الأهمية ولا يمكن الاستهانة بها. لا يمكن إيجاد حلول لمشاكل المرأة بدون الإشارة لها لتجاربها ولأسباب وقوعها ضحية؛ يجب تسليط الضوء على ذلك لتمكينها ولتكون قادرة على الخروج من قالب الضحية. كما انه من الواجب الحديث عن المرأة العربية الضحية دون الخوف من اتهامات البعض بإن ذلك سيضع المرأة العربية في قالب الضحية. ولكن على الجانب الأخر لم يقم الكتاب باختزال المرأة في هذا الدور ولم تقتصر القصص المذكورة في الكتاب على قصص المرأة التي تتعرض للعنف وسلب حقوقها! فالناشطة النسوية اللبنانية "جمانا حداد" و"لينا" المرأة الأردنية مدربة فنون الدفاع عن النفس، لم يكونّن ضحايا، بل نساء يناضلن للدفاع عن حقوقهن.  

 

أعتقد أن الرجال في المجتمعات الأبوية البطريركية العربية يحصلون على امتيازات أكثر من النساء

عند الحديث عن المجتمعات العربية، يسلط الضوء عادة على المرأة التي تعاني من عدم المساواة الناتجة عن العادات والتقاليد. ألا تعتقد ذات العادات والتقاليد يشكلون تمييز يقع الرجل ضحيته أيضا؟

نعم، بالتأكيد كلا الجنسين يعانون. لكن أعتقد أن الرجال في المجتمعات الأبوية البطريركية العربية يحصلون على امتيازات أكثر من النساء، وببساطة هم في وضع نسبيا أفضل من وضع النساء في تلك المجتمعات. لكن بالتأكيد يواجه الرجال في المجتمعات العربية بعض التحديات، حيث يعرّف المجتمع الرجل بشكل معين ويتوقع منه أن يتصرف بشكل معين حتى يكون "رجلا"؛ مثل ان يتحمل الرجل كامل المسئوليات المادية عند الزواج. ولكن في النهاية تعاني النساء في تلك المجتمعات من التمييز بشكل أكبر؛ مثل ان يحق للرجل الزواج بأربعة، بعكس المرأة التي لا يحق لها إلا زوج واحد؛ كما ان المرأة التي لا تستطيع منح الجنسية لأولادها، إذا تزوجت برجل أجنبي في لبنان او الاردن. ودوري كصحفي وهو أن أوفر المساحة للفئات الأكثر ضعفا والأكثر تهميشا في المجتمع، حتى يعبروا عن رأيهم بحرية.

 

هل تعتقد إن ذلك التمييز المرتكز على بعض أحكام الدين هو نابع من تفسيرات ذكورية للإسلام؟

إنا لست بخبير إسلامي، ولم أدرس العلوم الإسلامية. أنا صحفي، أؤمن بحقوق الإنسان واؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة. وبالتالي، أؤمن أن القانون يجب أن يرسخ المساواة بين الرجل والمرأة. القانون يجب أن يرسخ مبدأ المواطنة ولا يميز بين المواطنين.

 

تتناول في برنامجك موضوعات تعد تابوهات في المجتمعات العربية، وتثير ردود فعل قوية. هل تستخدم المواضيع الشائكة كنوع من التسويق للبرنامج؟

نحن لا نحدد ما هي المواضيع المثيرة، بل إن الجمهور العربي هو من يحددها. بالتأكيد هناك موضوعات يتم عرضها ومناقشتها، لم تعتاد المجتمعات العربية على مناقشتها، وبالتالي تحدث مناقشات وردود فعل حادة في البرنامج. ولكن دور البرنامج بالأساس هو اتاحة المنصة والفرصة للأفراد المختلفين لعرض أفكارهم ومناقشتها. كما ان المجتمعات العربية هي مجتمعات غير متجانسة، وهذا واضح في ردود الفعل، فبعضهم يشيد والآخر يذم. وبالتالي تناول البرنامج لموضوعات متنوعة، تعتبر "تابوهات" ولا يتم التطرق إليها في برامج أخرى، يجذب جمهور عريض ومتنوع.

 

التغيير يحدث عندما يقوم الجمهور بمراجعة أفكارهم ومعتقداتهم حول الموضوعات المختلفة، ثم اتخاذ قرار بالتغيير أو عدمه

بعد احدى حلقات برنامجك، التي صورت في السودان، تم تهديد احدى المشاركات بالقتل، ما هي المعايير التي تتبعونها لتأمين سلامة المشاركين خارج استوديو البرنامج؟

سلامة الضيوف، في ألمانيا أو في الخارج، هي أولويتنا القصوى، بغض النظر عن إثارة الحلقة لجدل واسع أو عدمه، سلامة الضيوف هي على رأس أولويتنا، أستطيع ضمان ذلك ١٠٠٪.  يهتم فريق البرنامج، كما تهتم مؤسسة دويتشة فيله بأكملها، بوضع معايير لضمان سلامة الضيوف، وبالتالي نوضح للضيوف إن التعبير عن رأيهم بخصوص موضوعات معينة شائكة قد يسبب لهم بعض المشاكل لاحقا، وحق الاختيار مكفول للضيف. قد قمنا أيضا في عدة مرات بحذف بعض المواد، لأنها قد تعرض صاحبها لمشاكل ما أو لخطر ما.

 

ما هي الإضافة التي يقدمها برنامج شباب توك للمجتمعات العربية؟

يعلم الشباب العربي إن هناك برنامج يتيح لهم المساحة، يمكنهم استخدامها للتعبير عن آرائهم بكل حرية، أعتقد هذه هي أكبر إضافة. حتى وان يختلف البعض حول بعض الموضوعات التي يتم مناقشتها في حلقات شباب توك، فاعتقد أن البرنامج يساهم في التوعية بالآراء المختلفة تجاه الموضوع الواحد. كما يضيف برنامج شباب توك منظور مختلف للموضوعات المطروحة للرأي العام في البلاد العربية. ولكن في النهاية، أنا كصحفي غير معني بإحداث تغيير، بل دوري أن أكون مرآة تعكس الواقع كما هو. التغيير يحدث عندما يقوم جمهور البرنامج وضيوفه بمراجعة أفكارهم ومعتقداتهم حول الموضوعات المختلفة، ثم اتخاذ قرار بالتغيير أو عدمه. ولكن عندما بدأت البرنامج، بالتأكيد كان هناك هدف محدد للبرنامج لإحداث تأثير على شيء ما. نعم بالتأكيد، كان هناك هدف لإحداث تأثير وليس تغيير! نحن نمثل منصة فقط، تُطرح فيها الأفكار المختلفة بكل حرية.

 

إن رفض الأغلبية في المجتمعات العربية للحديث عن مواضيع مثل الإلحاد والمثلية الجنسية

تزامنا مع صعود التطرف الديني الإسلامي، الا تعتقد إن مناقشة بعض الموضوعات، مثل موضوع الإلحاد والمثلية الجنسية، قد يؤدي إلى تأثير عكسي، أو تأثير سلبي على الحركة الليبرالية العربية؟

هناك آراء عدة حول تناول الموضوعات التي يتناولها برنامج شباب توك، وأعلم جيدا إن هذا الرأي يتم تداوله. يقول البعض أننا نضر بقضية المثلية الجنسية أو نضر الضيوف المثليين، ولكن هناك آراء أخرى تؤيد عرض تلك الموضوعات. إن رفض الأغلبية في المجتمعات العربية للحديث عن مواضيع مثل الإلحاد والمثلية الجنسية، لا يشكل سبب كاف لتجنب تلك المواضيع. وما إذا كان لذلك تأثير سلبي أو إيجابي على الوضع، هذا أمر لا يمكن أن نحدده أو نقرره، نحن مجرد منصة. وكل الموضوعات التي نتطرق لها في البرنامج هي بالأساس مقترحة من الشباب العربي. سيظل هناك دائما أشخاص يتساءلون: هل تم حل جميع مشاكل المجتمعات العربية ولم يتبقى غير تلك المشكلة حتى تقوموا بعرضها؟ هل هذا هو الوقت المناسب لطرح مثل تلك المشكلة؟ ولكن يجب ان نسأل ايضاً: متى سيكون الوقت المناسب؟

 

وبالتالي تعتقد ان الوقت دائماً مناسب؟ مثلاً: الحديث عن تقبل المرأة الملحدة في مجتمع يواجه مشاكل كختان الإناث والعنف الأسري، كما حدث في حلقة السودان؟

نعم، أعتقد أن الوقت دائما مناسب لطرح مواضيع تتعلق بتجارب ومعاناة كل الأفراد في المجتمع. تحديد الأولويات هو أمر نسبي، وبالتالي أولوية الأشخاص الذين يتعرضون لتمييز بناء على الدين أو الميول الجنسية ستكون بالتأكيد مختلفة عن أولوية الإناث اللاتي تعرضن لختان أو عنف أسري. الوقت يمر في انتظار الوقت المناسب، ذلك يعني إن الشخص حياته تمر يوما بعد يوم وتتكرر المعاناة بانتظار اليوم المناسب! دور البرنامج أن يوفر المنصة الآمنة وطرح تجارب ومعاناة كل شخص، حتى ان كان هناك شخص واحد في المجتمع يعاني من تلك المشكلة، سنوفر له المساحة ونتطرق لمشكلته.

 

أخيرا، على مدار السبع سنوات الماضية منذ أن بدأ عرض برنامج شباب توك، ما هي أقوى ذكرى لديك تود أن تشاركها معنا؟

لدي العديد من الذكريات وليست ذكرى واحدة. أحب دائما تلك المقابلات التي تحدث بين أناس، كان من الصعب جدا أن تجمعهم فرصة أخرى لمناقشة أفكارهم مع بعضهم البعض. فعلى سبيل المثال: مقابلة السيدة المنقبة مع عضو من أعضاء حزب البديل اليميني الألماني. أيضا تلك الفتاة في حلقة السودان عندما قررت أن تقف وتعبر عن رأيها بكل صراحة أمام الجميع، أعجبت كثيرا بشجاعتها. في الموصل، قابلت فتاة عاشت لمدة ثلاث سنوات تحت سيطرة داعش، وقالت لي إنها كانت تتابع برنامج شباب توك، وقد مثل لها النافذة الوحيدة للعالم الخارجي، مثل تلك اللحظات والكلمات هي التي اتذكرها، هي التي تشجعني للمضي قدما.


جعفر عبد الكريم (٣٧ عاما) هو مسؤول ومقدم برنامج "شباب توك"، وهو برنامج أسبوعي يهدف إلى مخاطبة الشباب في العالم العربي. يهتم الصحفي عبد الكريم ليس فقط بطرح مشاكل وطموح الشباب العربي من مقره في برلين، بل يعد أيضا مقابلات ميدانية لاستطلاع اراء الشباب في الشارع العربي. في أغسطس ٢٠١٨ أصدر كتابه "أصدقاء أم غرباء" الذي تناول فيه العديد من الموضوعات التي تشغل بال الشباب العربي، القاطنين أيضا في أوروبا.

عن: 
فرانسيزكا يوستماير وماجدولين هرمينا