جان دوندار الصحفي المعروف بمعارضته للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. غادر جان تركيا بعد أن سُجن وكان على وشك الموت ومُنع من مزاولة عمله لكن وجوده في بلد المنفى، برلين، فتح أمامه فرصاً عدة وها هو الآن معارضاً في الخارج.
يمكن أن يُعتبر المنفى خياراً لعيش حياة أفضل، أما بالنسبة لجان دوندار فثمن العيش بالمنفى قد يكون أغلى ما يمكن دفعه لكونه صحفياً.
زينيت: هل تعتبر نفسك ناشط سياسي أم صحفي؟
جان دوندار: إن هذه الفترة تتطلب مني أن أكون ناشطاً سياساً. فالظروف الراهنة وأردوغان بحد ذاته أجبراني أن أكون هكذا. إننا ندافع عن بلدنا، عن حريتنا، وعن كتاباتنا، ندافع عن حياتنا وعن أسلوب عيشنا. كل هذا دفعنا أن نكون نشطاء سياسيين بدلاً من كوننا صحفيين.
لا أستغرب موقف الأتراك المقيمين في ألمانيا بل متفاجئ من تصرفات الحكومة الألمانية لقد أصبحت رمزاً للمعارضة والصحافة التركية في المنفى بالنسبة للإعلام الأجنبي ولا سيما الألماني على وجه الخصوص، هل أنت مرتاح حيال هذا؟
إنها نعمة ونقمة في الوقت ذاته: الجيد بالأمر أن أكون ناطقاً باسم زملائي الصحفيين الأتراك وأستطيع ايصال صوتهم. حيث يمكنني استغلال هذا الاهتمام بتسليط الضوء على القصص الغير محكية والتي تفسر انتقاداتنا لأردوغان. من جهة أخرى ليس بالأمر الجيد فأنا اريد ان أكون صحفياً فقط، لا اريد ان أكون رمزاً. ان اكون رمزاً لشيء، يشكل عليّ خطراً كصحفي. لكن نظراً لدوري المختلف، فأنت من يطرح عليَّ الأسئلة الآن، مع أن الصحفي لا يجب أن يكون جالساً أمام الكاميرا.
بعد كل الذي حدث معك، هل فكرت بتغيير مهنتك؟
لم أفكر في هذا قط، إنني أقدر مهنتي وأحبها جداً لكي اغيرها. على الرغم من خطورة كونك صحفياً في تركيا في هذه الفترة إلا أنها الفترة الأهم لتكون صحفياً. فنحن بحاجة لهذه المهنة أكثر من أي وقت مضى، النضال من أجل صحافة حقيقية أصبح واجباً، او مهمة.
كيف تم التضييق على حرية الصحافة في عهد أردوغان؟
لم تكن تركيا أبدا جنّة للصحفيين لكن في عهد أردوغان أصبحت جحيم، فهو يأخذ أي كلمة نقد على المنحى الشخصي ويعتبرها إهانة له، وبالتالي فهو يقمعها. اصبح الصحفيين يمضون وقت في قاعات المحكمة أكثر ما يمضونه في غرف الأخبار.
كيف تدخلت الحكومة بعملك في صحيفة جمهوريت؟
لقد استعملت طرقاً عدة: كزجِّنا في السجن أو إرسال أشخاص لقتلنا. هل تريد إثباتات أخرى؟
لقد تم تهديدنا باننا سندفع ثمناً كبير لنشر أخبارنا. ولقد دفعناه.
أيضاً قاموا بقطع بعض التمويل: حيث أن الحكومة مسؤولة عن تزويد جميع الصحف بالإعلانات الرسمية لكنها قررت في الوقت الحالي أنها لن ترسل أي إعلان لأي جريدة تحت التحقيق.
كيف أثرت هذه الضغوطات على عملك؟
صحيفتنا اعتادت على هذ التهديدات والضغوطات الاقتصادية. "جمهوريت" لم تكن أبدا صحيفة غنية إلا أن العاملين بها جاهزين للعمل تحت كافة الظروف. لذلك من الصعب جدا ايقاف "جمهوريت" عن العمل بالضغط عليها بهذا الشكل. حتى رسام الكاريكاتير ونادل الشاي هم قيد الاعتقال الآن. لقد اعتُقل نادل الشاي لمجرد قوله إنه لن يقدم الشاي لأردوغان إذا جاء إلى المكتب.
أوروبا أصبحت للأسف كأنها نادٍ للمسيحية موصدةً أبوابها في وجه العالم الاسلامي أنت تعيش الآن كصحفي في المنفى، ما هي خطوتك المقبلة؟
أنا ومجموعة معي قررنا العمل في برلين. الصحافة ذات الجودة أمر نادر في تركيا، لذلك قررنا ان نقدم الأخبار من هنا. بالتعاون مع “corrective” (محطة صحافة استقصائية) أطلقنا Özgürüz، موقع الكتروني ومحطة تلفزيونية على الانترنت تُقدم أخبار ناقدة عن تركيا. قامت الحكومة التركية بحظرها بعد أيام على إطلاقها. لقد توقعت حدوث هذا، فقد كانت إشارة لحربٍ سوف ننتصر بها في النهاية. نعرف وسائل لتجاوز الرقابة المفروضة. في Özgürüz، نعمل بالتعاون مع صحفيين من داخل تركيا وصحفيين آخرين اضطروا لمغادرة البلد. نلاحظ الحاجة لمثل هذه المحطات حيث بدأ عدد منها بالظهور في ألمانيا لتنقل تقارير عن الأحداث في تركيا.
كيف تضمن مصداقية المعلومات التي تصلك من تركيا؟
نحن صحفيون ذوي خبرة بالإضافة لوجود العديد من المصادر لنا في تركيا. لكن الخوف يخيم على البلد كما أن التواصل مع الداخل التركي أمر معقد. بالطبع هم يعرفون من نحن وأتمنى أنهم يعيرون انتباهاً لما نقول. المشروع الذي نقوم به يعتبر عصيباً لأن لا أحد يعلم حقيقة ما يجري في تركيا وهذا أمر خطير حيث ان هناك استفتاء مهم جداً قريباً. في حال لم يتم إعلام الناس بحقيقة ما يجري لن يستطيعوا اتخاذ القرار الصائب. يجب علينا اعلام المواطنين بحقيقة عواقب هذا الاستفتاء وبالتالي ايقاف حدوثه، كي لا يكون مستقبل تركيا على المحك. إذا سمحنا لأردوغان أن يفعل ما يحلو له سوف يصبح النظام دكتاتورياً.
هل هناك وجود لمجتمع للصحفيين في المنفى؟
يوجد مجتمع كبير وخصوصاً في برلين هناك صحفيين من: سوريا، ايطاليا، اليونان، أرمينيا، كردستان والعديد غيرهم. وجودنا هنا يعني تنفسنا الحرية وممارسة عملنا كصحفيين بكل حرية. على الرغم من أن لكل منا قصصه وقضاياه الخاصة لكن علينا ألا ندعها تؤثر على كتاباتنا. على سبيل المثال، مع أن جميعنا ملاحق من قبل حكومته علينا أن نكتب بموضوعية عن الحكومة. كما تتخيل هذا ليس بالأمر السهل. فنحن لدينا مشاعر وأيضاً عائلاتنا تعيش هناك. حيث أن عائلتي ما زالت في تركيا فهم ممنوعين من السفر.
ماذا عن حريتك الشخصية في برلين، هل هنالك مخاوف؟
أردوغان يحاول الدفع بمزيد من حملات اعدام الصحفيين، لذلك الوضع صعب كل مكان. الحال بشكل أو بآخر بالنسبة لي لا يختلف عن تركيا عندما يكون متعلقاً بالمؤيدين والمعارضين لي سواء في اسطنبول أو في برلين. ما دام التعصب منتشراً، فهنالك مخاطر ومخاوف وأيضاً إهانات تعرضت لها هنا، للأسف باتت أمراً عادياً في الوقت الحالي. فقد بتنا معتادين عليها وفي الحقيقة لم أعد اكترث بها أبداً.
هل انتقلت الهيكلية الاجتماعية والعداوات إلى المجتمع التركي في ألمانيا؟
الانقسام بين الشعب التركي يظهر بشكل مضاعف بين أتراك ألمانيا كأطراف متعارضة. حسب علم النفس الاجتماعي المتعلق بالمغتربين فإن الأتراك يشعرون بالارتباط والتعصب لبلدهم لذلك من الصعب تخطي قطبية الأحزاب في يومنا هذا.
لماذا مازال المغتربين الأتراك في ألمانيا يعتبرون حكم أردوغان ايجابياً؟
السبب الواقعي: أنه يمنحهم الشيء الذي لم تستطع الحكومة الألمانية منحهم إياه وهو الهوية أو أمور متعلقة بالمال ووعود مستقبلية. لكن أنا لا أستغرب موقف الأتراك المقيمين في ألمانيا بل متفاجئ من تصرفات الحكومة الألمانية.
لماذا؟
ما أشعر به أن الحكومة الألمانية تفضل أن تكون تركيا مستقرة بدلاً من أن تكون تركيا ديموقراطية. أظن أن ألمانيا تستطيع إقناع أردوغان بتعزيز نظام ديموقراطي لكنها، بدلاً عن ذلك، استخدمت قوتها لإقناعه بإيقاف تدفق اللاجئين. وهذا قرار خاطئ.
هل قللت سياسة ألمانيا من شأن استبداد أردوغان؟
اعتقد الغرب أن الشرق الأوسط يحترق وحده وأن الجميع يستطيع بكل سهولة متابعة حياته في أوروبا. لكن الأمور لا تجري هكذا. أوروبا أصبحت للأسف كأنها نادٍ للمسيحية مؤصدة أبوابها في وجه العالم الاسلامي وهذا تصرف خطر. نحن نشهد قطبية سياسية حالياً، كارهية الإسلام (الاسلاموفوبيا) والإسلاميين المتزمتين يزدادون قوة وانتشاراً في جميع أنحاء العالم. ستظهر فترة من التعصب القومي، وفي هذا السياق، اردوغان يبدو كجزء من هذا التحول اكثر من كونه ظاهرة منفردة. أردوغان يريد أن يكون سلطاناً ونحن لا نحتاج سلاطيناً بعد الآن.
جان دوندار هو صحفي تركي ورئيس تحرير سابق في جريدة "جمهوريت". تم اعتقاله في تشرين الثاني ٢٠١٥ بعد تحقيق أجراه بخصوص تسليح المخابرات التركية للمقاتلين الإسلاميين في سوريا ونشره صوراً تثبت هذا. تم إطلاق سراحه في شباط ٢٠١٦ بعد أن قضى أكثر من ٩٠ يوماً في السجن. بعدها حكم عليه بالسجن لمدة ستة سنوات بتهمة "تسريب معلومات سرية عن الدولة"، لكنه انتقل للعيش بالمنفى في ألمانيا. في عام ٢٠١٦، حاز دوندار على الجائزة الدولية لحرية الصحافة.