الزمن اللازم للقراءة: 5 دقيقة
بإسم ضحايا سوريا – حوار مع كارلا ديل بونتيه المدعي العام الأسبق للأمم المتحدة

>>لقد اكتفيت من ذلك، أنا ألعب الغولف حالياً<<

مقابلة
كارلا ديل بونتيه المدعي العام الأسبق للأمم المتحدة
كارلا ديل بونتيه المدعي العام الأسبق للأمم المتحدة المصور: فلوريان غلوكلسبرغر

بعد أكثر من خمس سنوات من عملها كمحقق خاص للأمم المتحدة في سوريا، استسلمت كارلا ديل بونتيه. في حوارنا معها، تشرح كارلا ديل بونتيه أسباب استهلاك الحرب السورية لكبار الدبلوماسيين، واحد تلو الاخر، دون تغير شيء في الواقع.

في عام 2012، قامت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في سوريا باستدعاء كارلا ديل بونتيه، المدعي العام لمحكمة للأمم المتحدة الجنائية ليوغسلافيا السابقة ورواندا. كان من المخطط أن تتولى مهام منصب المحقق الخاص للأمم المتحدة في سوريا لفترة أشهر معدودة، ولكن في النهاية مكثت في سوريا لمدة خمس سنوات. ولكن أدى الإحباط الناجم عن انعدام الملاحقة القضائية لمجرمي الحرب السوريين إلى مغادرة ديل بونتيه للمفوضية السورية في عام 2017. سبق وشغلت ديل بونتيه منصب كبير المدعين في المحكمة الجنائية للأمم المتحدة ليوغوسلافيا السابقة ورواندا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

زينيت: بعد ان شغلتِ منصب المدعي العام في محكمة الأمم المتحدة الجنائية لرواندا ويوغسلافيا السابقة. هل كانت الأحداث في سوريا صادمة بالنسبة لك؟

ديل بونتيه: كنت اتخيل انني عاصرت ورأيت كل شيء. ولكن وحشية الحرب السورية قد تجاوزت وحشية كل ما رأيته من قبل. أطفال يتم إجبارهم على القتال. جنود لا تتخطى أعمارهم الاثني عشر عاما يتم ذبحهم وقطع رؤوسهم. أطفال تقتل بسبب التفجيرات. بالإضافة الى التعذيب، تعرف جيدا "صور قيصر"! بات من الصعب تحديد من المستهدف ومن الذي يتعرض للتعذيب بالتحديد. نساء وكبار السن.. لا، لم أرى ذلك ولا مرة واحدة في رواندا. علمت الآن، ماهي رائحة المعاناة.

 

لقد قمت بتسجيل عدد من الشهادات في عدد لا يحصى من التقارير مع اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة في سوريا، هل تعتقدين أن المعلومات الواردة بتلك الشهادات قد تستخدم لاحقا في المحكمة؟

قد تشكل الشهادات نقطة انطلاق لفتح مزيد من التحقيقات. وقد قدمنا قوائم تحتوي على أسماء يجب ان يقدموا، في نظرنا، الى العدالة.

 

ما أسباب تعطل الملاحقات القضائية؟

الإرادة السياسية، التي هي بالتأكيد غائبة. يمكننا كتابة الكثير من التقارير، ولكن مادام يتم حظر القرارات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ستظل أيادي العدالة الدولية مقيدة.

يواجه عملنا طريقاً مسدوداً. كما تواجه عمليتا تحويل قضية سوريا أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي وإنشاء محكمة خاصة للقضية السورية طريقاً مسدوداً أيضا. لا توجد إرادة حقيقية لتقديم الجناة إلى العدالة.

 

لقد تحدثت في كتابك الأول "باسم المدعي العام" عن حالات "الجدار المطاطي"، التي تتعثر فيها كل محاولات الوساطة.

يحدث في سوريا الواقع ذاته، ولكن بشكل أسوأ. فان الجدار مصنوع من الاسمنت. هل تعلم، عندما لا تمتلك القوة لتغيير الأشياء، فلا يوجد جدوى من العمل بأكمله.

في سوريا، تحدث الوقائع الوحشية بشكل يومي، ولكن تفاعل المجتمع الدولي مع الأحداث سلبي بالأساس. هذه هي حقيقة الواقع المرير.

 

تمتلك الحرب السورية قدرة فائقة على استهلاك كبار الدبلوماسيين من الأمم المتحدة، مثل كوفي عنان، والأخضر الإبراهيمي وأنت شخصيا.

بعد عدة سنوات من العمل في سوريا قد أجمعنا على أن العمل لا جدوى له. لا يوجد طريق للأمام ولا يمكن الرجوع للخلف.

 

هل كان هناك لحظة محددة دفعتك للاستقالة؟

لقد كنت غاضبة بشدة في العام الثان (من عملي هناك)، وشعرت حينها انني ارغب في الرحيل، ولكن في نهاية المطاف مكثت لمدة خمس أعوام. عندما شغلت منصب المدعي العام الرئيسي في المحكمة الخاصة التابعة للأمم المتحدة، كنت اعتدت على أشياء أخرى، حيث كان بوسعنا الوصول إلى حقائق. كان الطريق صعب بالتأكيد، ومحبط في كثير من الأحيان، ولكن في النهاية كان لدينا القدرة على إحضار الجناة امام المحكمة لتحقيق العدالة، حيث قدمنا 161 شخص أمام المحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة و92 شخص امام المحكمة الجنائية لرواندا.

الوضع السوري مختلف، لقد بذلنا الكثير من الجهد ولم نتمكن من تغيير أي شيء. بدت الأمور كأننا نأخذ خطوة واحدة للأمام ثم نتخلف خطوتان إلى الخلف. لجنة الأمم المتحدة في سوريا هي فقط واجهة. علاوة على ذلك: تمثل اللجنة مجرد عذر لرفع الحرج عن المجتمع الدولي، ولا أريد أن أكون جزئ هذا العمل بعد الآن. لقد حاولنا وجربنا كل شيء، ولم أستطيع أن اتحمل أكثر من ذلك. لقد سئمت من هذا والآن اريد لعب الغولف، والاهتمام أكثر بتطوير مهاراتي في تلك العبة.

 

قد يعد كتابك على أنه محاسبة للأمم المتحدة؟

يعتبر الكتاب في المقام الأول تعبير عن احباطي الشديد، الذي أريد أن أوثقه باللونين الأسود والأبيض. هو كتاب بالأساس لي شخصيا، ولكن قد كتبته أيضا بإسم ضحايا الحرب السورية.

 

هل تأملين، على الرغم من كل شيء، في إيجاد حل للصراع؟

أؤمن أنه في يوم ما سيقدم الأسد ومجرمي الحرب في سوريا للعدالة أمام محكمة ما. لن يقدر أحد أن يخرس دعوات تحقيق العدالة.

 

لقد ذكرتِ بكتابك أنه أتيحت لك فرصة لقاء الرئيس السوري، الأسد، من خلال عملك مع اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة في سوريا. هل تعتبرينها فرصة ضائعة؟

نعم، لقد تمت دعوتي. وأصر زملائي حينها على أنني لا يجب أن اذهب إلى دمشق بمفردي، وعلى الجانب الاخر رفضت الحكومة مقابلة اللجنة بأكملها. للأسف، كان من الممكن أن تكون فرصة جيدة، لأنه يجب علينا أن نعمل على صنع السلام في سوريا، كما يجب علينا مساعدة الفارين من الحرب السورية.

عندما تنظر إلى الدول الأوربية وتتأمل وضع اللاجئين ستجد أنهم يحصلون على دعم ضئيل جدا. حتى ان مالطا وإيطاليا كانا مؤخرا يتجادلان حول ارسال مركب إنقاذ لمركب غارق. يصعب على استيعاب ذلك. لماذا لا تجلس الدول الاوروبية معا وتعمل على وضع خطة مشتركة لحل الازمة. هذا الوضع يزعجني كثيرا.

 

في تحقيقاتك حول المافيا في إيطاليا، لقد نجوتِ بصعوبة من استهدافك بعبوة ناسفة. وخلال عملك مع المحاكم الخاصة التابعة للأمم المتحدة، كان عليك أن تضعي حياتك على المحك. فما الحافز الذي يدفعك لتقديم مثل تلك التضحيات من اجل مقاضاة مجرمي الحرب؟

لم تكن تضحيات، ولم أصل إلى هذا الوضع في ليلة وضحاها. كان لدي حراس شخصيين في البداية. عندما كنت اغادر منزلي كان يسير رجل شرطة خلفي، تاركا عشر خطوات مسافة بيننا. ثم تعلمت استخدام السلاح الناري، ولكنني لم احمل سلاح شخصي ابدا.

لقد كلفني عملي الكثير وقد خسرت الكثير من الأصدقاء بسبب العمل. في لاهاي، كنت أقضي وقتي وحيدة في الغالب وأمضيت أمسياتي مع ملفات القضايا. علاوة على ذلك، استلزمني عملي السفر والتنقل المستمر من مكان لأخر، والعمل مع فريق مكون من 600 شخص في عدة محاكم. كنت على دراية بظروف العمل، ومع ذلك، قد قررت ان أعيش تلك الحياة. كان العمل دائما كثيف ولكني أديت كل مهماتي بكل سرور.

 

هل ستضعين لعب الغولف جانباً إذا تم تشكيل محكمة خاصة لسوريا؟

بالتأكيد! لست كبيرة جدا في السن ومازالت قادرة على العمل كمدع عام.

عن: 
فلوريان غلوكسبرغر و أولا موندينغر