الزمن اللازم للقراءة: 6 دقيقة
الليبيون في مصر

مهاجرون أم لاجئون؟

مقالة خاصة
مدرسة ليبية في القاهرة
مدرسة ليبية في القاهرة المصور: نهلة نمر

في أعقاب الأحداث الدامية التي شهدتها ليبيا عام ٢٠١١ عقب سقوط نظام معمر القذافي، وفي عام ٢٠١٤ نتيجة للمواجهات بين الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر وبعض الجبهات المسلحة، نزحت أعداد كبيرة من الليبيين إلى بعض الدول المجاورة.

وعلى الرغم من خروج هؤلاء على خلفية مواجهات مسلحة شهدتها ليبيا، إلا أنه لم يتم إعطاؤهم صفة "لاجئين" من قبل المفوضية العليا للاجئين، التابعة للأمم المتحدة.

 

يقدر عدد العائلات الليبية المقيمة في جمهورية مصر العربية بحوالي 5200 عائلة، وفقًا لتصريحات "مسعود أبو صوة"، وزير العمل والشؤون الاجتماعية بالحكومة الليبية المؤقتة، الصادرة في يناير من العام الجاري، وأضاف أن هذا الاحصاء يشمل العائلات التي دخلت إلى مصر قبل ديسمبر/ كانون الأول 2014، مؤكدا أن العدد الأكبر هم من هجّروا عام 2011، ويليه من تم تهجيرهم من مناطق غرب ليبيا والجبل الغربي بعد حرب فجر ليبيا عام 2014.

 

وتعرّف اتفاقية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لسنة 1951 اللاجئ على أنه "شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوفه من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر (العرق)، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل/تستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد."

 

ويحق للاجئ أن يحصل على الحماية القانونية والمساعدات والحقوق الاجتماعية من قبل الأطراف الموقعة على هذه الوثيقة، بحسب الاتفاقية، إذ لا يجوز احتجاز اللاجئ ولا ترحيله إلى البلد الذي فرّ منه، حتى وإن دخل البلد المستضيف بشكل غير قانوني، ويحصل على الإقامة على الكارت الأصفر الذي تصدره المفوضية للاجئين دون مقابل نقدي، والذي يعد بطاقة هوية قانونية للاجئ في الدولة المستضيفة.

 

"خالد محمد"، أدمن صفحة "الليبيين في القاهرة" على موقع فيسبوك، والتي تجمع عدد كبير من أبناء الجالية الليبية بمصر، يقول "إن معظم الليبيين المغتربين بمصر ينتمون إلى طبقة مادية جيدة، لكن ما يعانون منه هو التضييق في الإجراءات القانونية، مثل اجراءات استخراج سجل تجاري أو رخصة قيادة أو عند الحصول على الإقامة والتسجيل بالمدارس".

 

الملحق الثقافي الليبي في القاهرة
الملحق الثقافي الليبي في القاهرة المصور: نهلة نمر

كما تحدث "عبد الناصر مرعي" ٤٦ عام، مهندس بترول يقيم بمدينة الإسكندرية، جاء إلى مصر عام ٢٠٠٩ في بعثة دراسية مدعومة من الحكومة الليبية إلى جامعة الإسكندرية، عن التغيرات التي شهدها في تعامل الحكومة المصرية مع المهاجرين الليبيين، قائلاً: “في السابق لم يكن هناك تأشيرات لدخول الليبيين مصر وفقًا لاتفاقية الحريات الأربعة الموقعة بين ليبيا ومصر، كما كان الحصول على الإقامة هي مسألة اختيارية، لكن منذ عامين أصبح هناك تشديد بخصوص الاقامات، ويتم تحصيل غرامات كبيرة ممن نفذت مدة إقامته، والعجيب أن هذه الغرامات يتم تحصيلها عند المنافذ البرية والمطارات من الليبيين المغادرين، مما يضطر البعض للمكوث على الحدود مدة تصل إلى ثلاثة أيام في انتظار أن يوصل إليه أهله مبلغ الغرامة ."

 

في 26 سبتمبر عام 2016، صدر قانون رقم 77 الخاص بتعديل أحكام القانون رقم 89 لسنة 1960، في شأن دخول وإقامة الأجانب على الأراضي المصرية، بحيث أصبح رسم الحصول على الإقامة للشخص الواحد كحد أدنى 500 جنيه مصري، وكحد أقصى 5000 جنيه مصري (ما بين 30 و 295 دولار) للإقامة السنوية، بعد أن كان المبلغ 5 جنيهات مصرية كحد أدنى، و50 جنيهاً كحد أقصى، وفرض غرامة على كل من تخلف عن الحصول على الإقامة مقدارها 1000 جنيه مصري عن الأشهر الثلاثة الأولى من تخلفه، وعن كل ثلاثة أشهر لاحقة يضاف مبلغ 50% على المبلغ إذا زادت مدة التخلف، و كان مبلغ الغرامة يقدر ب 153 جنيهاً مصرياً مهما بلغت المدة  قبل تعديل القانون.

 

"أسامة تاكيتا" المستشار الإعلامي للسفارة الليبية بالقاهرة، قال:"إن اتفاقية الحريات الأربع بين مصر وليبيا مازالت  مستمرة، لكن تم وقف العمل ببعض البنود بها ووضع اشتراطات وقيود نظرًا للوضع الأمني في ليبيا، فمثلًا أصبح لزامًا على كل ليبي التسجيل في أقرب قسم شرطة فور وصوله إلى مصر، كما تم وضع شرط التأشيرة منذ عام ٢٠١٥."

 

الجدير بالذكر أن التأشيرة تتعين فقط على الذكور من سن ١٨ -٤٥ عام، مقابل رسوم تبلغ ١٥٠ جنيه ما يعادل ٩ دولارات.

 

من ناحية أخرى تحدث "مرعي" عن مصاريف "مغالى فيها" يتم طلبها من الليبي بمصر، ويشرح قائلًا: " منذ مدة قريبة فقدت جواز السفري والذي أحمل عليه الإقامة، فقمت بدفع ما يسمى "تسوية" في مكتب الجوازات المصري بمبلغ ٤٠٠٠ جنيه، وعندما رزقت بطفل جديد دفعت ١٢٠٠ جنيه مصاريف تسوية لإضافة الطفل على جواز السفر." حيث كانت رسوم تسجيل الطفل سابقاً لا تتجاوز 100 جنيه.

 

السفارة الليبية في القاهرة
السفارة الليبية في القاهرة المصور: نهلة نمر

ويرى "تاكيتا" أن "الأحوال المعيشية لليبي في مصر جيدة، فلا توجد مشاكل سوى مسألة التأشيرة وهبوط الطيران الليبي في مطار برج العرب بالإسكندرية، مما يسبب ازدحاما في المطار ويشكل مشقة على الليبي المقيم خارج الإسكندرية."

 

أما عن الشروط الجزائية والرسوم الإدارية فيقول "أنها نفس الشروط التي تنطبق على باقي المغتربين بمصر وليس فقط الليبي، وأن الدولة المصرية اليوم لديها مشاكل اقتصادية ومن حقها تحصيل الغرامات والرسوم."

 

عضو هيئة التدريس بجامعة بنغازي "هيام المقصبي" ٣٩ عام، تدرس الدكتوراه بجامعة القاهرة منذ عام ٢٠١٢، قالت "إن وضع الليبي في الماضي كان مرفها، أما الأن فإمكاناته أصبحت تكفي لسد احتياجاته الأساسية فقط"، وتضيف: "في مصر، دائما ما أحاول ألا أظهر أني ليبية، فكثيرًا ما يحدث استغلال من قبل سائقي التاكسي وأصحاب المحال التجارية تجاه غير المصري عامة."

 

في الوقت نفسه ترى أن "مما يعاني منه الليبي في مصر هو ضعف أداء السفارة الليبية بالقاهرة في خدمة الليبيين"، وقالت: "على سبيل المثال هناك تباطؤ في الاستجابة إذا تم توقيف أحد الليبيين بقسم شرطة لعدم سريان اقامته، وهناك تأخر في دفع نفقات العلاج لمن يعالجون على نفقة الدولة".

 

ومع ذلك، ترى "المقصبي" أن ليس كل من خرج من ليبيا هو مستحق لوضع اللجوء، وأن وحده من تضرر من الحرب هو من يستحق الحصول على اللجوء الإنساني مثل من تهدم بيته أو من غادر لأن وجوده بليبيا يشكل تهديدا على حياته.

 

أما " عبد الناصر مرعي" فيرى أن "انتقال الليبيين إلى مصر يرجع بالأساس إلى عدم استقرار الأمن في ليبيا، خاصة في المنطقة الغربية بالعاصمة طرابلس وما حولها، حيث تتحكم الميليشيات في هذه المناطق ويتعرض فتيات ورجال أعمال للخطف"، وهو يرى أن لقب "لاجئ" لا يحزنه بل سيوفر له الدعم والحماية من قبل المفوضية العليا للاجئين.

 

من جهته يرى "أسامة تاكيتا" أن تعريف الأمم المتحدة للاجئ لا ينطبق على الليبي، ويقول: "الوضع الأمني في ليبيا لا يشكل خطرًا في كل الأماكن، فمن يقيم بالشرق ويوجد في منطقته صراعات يستطيع أن ينتقل إلى الناحية الغربية، وبالعكس."

 

"زياد عقل" خبير في علم الاجتماع السياسي ويعمل في مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية، يرى أن الوضع في الداخل الليبي يؤدي بالمواطن الليبي إلى استحقاق اللجوء خارج ليبيا بلا شك، ويوضح قائلًا:" التحديات والمخاطر التي يواجهها الشعب الليبي كبيرة جدا، فلا يوجد الحد الأدنى من الضمانات الأمنية والانسانية والاجتماعية لأي مواطن، بل إن الأجهزة الحاكمة في الداخل الليبي تتعامل بالانتماء والولاء وليس الحيادية، وتقوم بالتفرقة على أسس سياسية، فعندما يكون أحد المواطنين مؤيداً لطرف معين من أطراف الصراع، يتعرض للمساءلة من الأطراف الأخرى."

 

أما عن عدم منح الليبيين حق اللجوء من قبل المفوضية العليا للاجئين، فيقول "عقل" أن قرارات الأمم المتحدة لا تصدر بمنأى عن المواقف السياسية للدول، وأن دول الجوار لن تقبل بتقنين وضع الليبيين خارج ليبيا، ويقول: "هناك مصالح لجميع تلك الدول في استقرار الوضع داخل ليبيا، فعدم الاستقرار يؤدي إلى استمرار حالة التوتر الأمني على الحدود بين ليبيا وجاراتها تونس ومصر والجزائر والسودان، لذا توجد رغبة في عدم تقنين أوضاع المهاجرين الليبيين للضغط عليهم للعودة وعدم إطالة أمد حالة عدم الاستقرار داخل ليبيا."

 

على الصعيد المصري تحدث "عقل" أن "هناك إرادة سياسية أن يكون لمصر فرص في عملية إعادة الاعمار وعودة العمالة المصرية إلى ليبيا، والمشاركة في إعادة بناء قدرات الجيش الليبي، ومن ثم فإن تأجيل الاستقرار السياسي داخل ليبيا سيؤدي إلى تأجيل تلك الفرص، لذا يعمل النظام المصري على عدم وضع إطار محدد لوضع الليبيين على الأراضي المصرية، لكنه في الوقت نفسه يرحب بالتواصل مع الجالية والاستماع إلى مشاكلها والتوصل إلى حلول، دون التعامل داخل إطار ملزم."

 

في حين أن المفوضية شرحت ما سبق بالقول: تتكلف المفوضية بتسجيل وتوثيق وتحديد وضع اللاجئين في مصر بموجب مذكرة تفاهم مع الحكومة المصرية وقعت سنة 1954. وتبقى الحكومة المصرية هي صاحبة القرار في شأن من يتم تسجيله أم لا. فيما يخص المواطنين الليبيين، لا يتم تسجيلهم من طرف المفوضية بناءً على قرار الحكومة المصرية باعتبارهم إخوة للشعب المصري.

عن: 
نهلة النمر