الزمن اللازم للقراءة: 4 دقيقة
الحركة الكشفية في ليبيا

كشافة الأعمال الصالحة

مقالة خاصة
الحركة الكشفية في ليبيا
قال مسؤول الكشافة أحمد غيدان: "ثمّة أطفال مصدومون للغاية. ينبغي أن نعتني بهم إلى أقصى حدّ". المصور: عماد فارس

لقد تحدوا القذافي لتأسيس أحد أعرق المؤسسات في المجتمع المدني الليبي. ومع اشتداد الحرب الأهلية التي تنهش معالم المدينة، يحتاج الوطن مجددا إلى مساعدة حركة الكشافة.

في نيسان/ أبريل من هذا العام، شنّ المشير خليفة حفتر هجوما على مدينة طرابلس. الحملة العسكرية ، التي تم الترويج لها على أنها فعالة ومحدودة زمنيا ، لا زالت تلقي بنيرانها بلا هوادة. تفيد التقارير أنّ الحملة على طرابلس أودت بحياة أكثر من ألف شخص خلّفت 120 ألف نازح.

 

قد يعني النزوح بالنسبة للأثرياء من سكان طرابلس سفرة لفترة طويلة إلى الخارج خصوصا تونس الشقيقة التي تعرفها الأغلبية جيدا. أما بالنسية للفئات الفقيرة والمهمشة التي تعيش على خطوط التماس، غالبا ما يعني النزوح الهروب فجأة للجوء في إحدى مدارس العاصمة حيث تبذل الكشافة الليبية قصارى جهدها لمساعدتهم بشتى الوسائل وتلبية احتياجاتهم على الرغم من المصاعب والعقبات.

 

عند الساعة الواحدة فجرا في منطقة بن عاشور في طرابلس، ترى سيارات الهلال الأحمر قادمة إلى المدارس ومحملة بمختلف المواد الأولية لإغاثة العائلات الموجودة هناك. تجلب السيارات ما بوسعها من بطانيات وسلع منزلية وطعام تتبرع بها أسر ومؤسسات تجارية محلية تعرف أغلبيتها كشافة بن عاشور.

الحركة الكشفية في ليبيا
حافظت الكشافة الليبية على مسار ثابت يوفر مساحة آمنة يقف فيها الشبان والشابات في وجه الصراعات والانقسامات الاقليمية المريرة ليتعلموا أساسيات المهارات الكشفية. المصور: عماد فارس

 

في الخارج، قامت الكشافة باستقبال السيارات المحملة بتبرعات المحسنين. كان معظم الكشافة الصغار قد عادوا إلى منازلهم  نظرا لتأخر الوقت تاركين المسؤولية للمسؤولين الأكبر سنا.

 

قد يكون النزوح من خطوط التماس إلى بر الأمان النسبي في بن عاشور أشبه بالتشرد. يقول المسؤول في الكشافة "أحمد غيدان" أنّه: "غالبا ما يبدو أفراد العائلة ضائعين عند وصولهم. فهم لا يعرفون ما ينتظرهم أو إلى متى سيضطرون للبقاء هنا.  نفعل ما بوسعنا لمساعدتهم على التأقلم والحصول على نوع من الاستقرار. الأمر بغاية الحساسية ويتطلّب الكثير من التفهّم".

 

ويضيف "غيدان"، بعيد استلام شحنة في وقت متأخر من الليل أنّه: "ثمّة أطفال مصدومون للغاية. ينبغي أن نعتني بهم إلى أقصى حدّ. نحاول تنظيم أنشطة يمكنهم القيام بها مثل الكرة الطائرة، ما يسمح للأهالي بالاستراحة لبعض الوقت". هذا الوقت يستخدمه الأهالي لترتيب أمورهم وبناء ما يشبه المأوى في أروقة المدرسة. في هذا الوقت، يقوم الكشافة والأشبال بزيهم الرسمي، الذي يتشاركونه مع سائر الكشافة في العالم، بقصارى جهدهم لإلهاء الأطفال في أوقات شبه مستحيلة.

الحركة الكشفية في ليبيا
تجلب السيارات ما بوسعها من بطانيات وسلع منزلية وطعام تتبرع بها أسر ومؤسسات تجارية محلية أغلبيتها معروفة جيدا من كشافة بن عاشور. عماد فارس

تتغنى الكشافة بتاريخ عريق في ليبيا. فقد تم تأسيس الحركة الكشفية عام 1954 لتنمو وتضم 18 ألف شاب وشابة. وقد نجحت الكشافة في النأي بنفسها عن السياسة طوال فترات الحكم الملكي والديكتاتوري وخلال الفوضى التي أعقبت الثورة، كما حافظت الكشافة الليبية على مسار ثابت يوفر مساحة آمنة يقف فيها الشبان والشابات في وجه الصراعات والانقسامات الاقليمية المريرة ليتعلموا أساسيات المهارات الكشفية.

 

يقول "أيمن وافلي"، وهو عضو بارز في المنظمة الكشفية في بن عاشور: "لقد قمنا بتنظيم مخيم كشاف كبير بالقرب من بنغازي العام الماضي، وقد شارك المئات من الشباب والبنات من جميع أنحاء ليبيا. كان الحدث ممتعا والجميع عملوا سويا".

 

منذ زلزال 1963 المدمر الذي أودى بحياة ما بين 290 و375 شخصا، مرورا بالاضطرابات التي شهدتها البلاد خلال ثورة 2011 وبالظروف الصعبة التي نتجت عن الفياضانات التي أغرقت مدينة غات القديمة في وقت سابق من هذا العام وإلى الفوضى الناتجة عن الهجوم على مدينة طرابلس، لطالما ترأس الكشافة مجهود الإغاثة في ليبيا.

الحركة الكشفية في ليبيا
يقول أيمن وافلي: "ما يهمنا هو مساعدة الناس من أينما أتوا بغض النظر عن الوضع السياسي. هذا أحد الأسباب الرئيسية لقبول الناس دائما المساعدة من الكشافة.المصور: عماد فارس

 

لم يكن للكشافة دورا أكثر أهمية من وقت الثورة التي قامت في البلاد عام 2011. عندما كان الكشافة ناشطون في جميع أنحاء البلاد. لقد قاموا بكل شيء من حفر القبور إلى تقديم الغذاء والمواد الأولية والإسعافات للأسر المحاصرة في الاشتباكات.

 

قال أيمن وافلي: "ما يهمنا هو مساعدة الناس من أينما أتوا بغض النظر عن الوضع السياسي. هذا أحد الأسباب الرئيسية لقبول الناس دائما المساعدة من الكشافة. فالجميع يحترم حيادهم".

 

يبدو أن الكشافة الليبية ما زالوا متمسكين بمبادئ مؤسسهم روبرت بادن باول  وكتيبه الشهير "Scouting For Boys" الذي يضم مبادئ وركائز الميدان الكشفي، على الرغم من تحوّل منطق الحروب والنزاعات الداخلية. ومع ذلك، فإن الحفاظ على استقلال الحركة الكشفية لم يكن دائمًا بالأمر السهل. فقد تمكن الكشافة من الصمود خلال  حملة القذافي على المجموعات المستقلة، خصوصا بسبب عضوية القذافي في شبابه في الحركة الكشفية في سبها جنوب غرب ليبيا.

الحركة الكشفية في ليبيا
يقوم الكشافة والأشبال بزيهم الرسمي الذي يتشاركونه مع سائر الكشافة في العالم بقصارى جهدهم لإلهاء الأطفال في أوقات شبه مستحيلة. المصور: عماد فارس

 

لم يكن الأمر دائما بهذه السهولة. من خارج مقهى في تونس، يروي المفوّض الدولي للمنظمة الكشفية الطرابلسي "علي الغولا" حاول القذافي عام 1984 الانقضاض على الكشافة والحد من حرياتهم قبل القيام بتأسيس منظمته الخاصة المنافسة للكشافة. لكن معظم الليبيين لم يعجبهم الأمر ولم ينخرطوا في المنظمة. حاول النظام استمالة الجماهير من خلال تقديم العروض وحتى الأموال. لكن شيئا لم ينفع ولم يتمكنوا من فعل شيء يذكر. يضيف "علي": "في المقابل، كانت الحركة الكشفية تقوم بالكثير على الرغم من شح الأموال. منذ ذلك الحين، لم يتعرّض القذافي للكشافة مجددا".

 

يتابع "الغولا" واصفا كيف تُشكّل الكشافة حركة جامعة للناس وتعزز مهارات الاعتماد على النفس لديهم بالإضافة إلى الدروس الحياتية التي يحصلون عليها مجانا خارج جدران المؤسسات التعليمية. يقول "علي": "نقوم في المخيم بتعليمهم هذه المهارات ونقوي حس الواجب والمسؤولية لديهم كما نبني حس الانتماء والخدمة للمجتمع والوطن".

 

بالنسبة لعلي، لا يتميّز جهد الكشاف الليبي عن الجهود التي تبذلها الكشافة في أي مكان في العالم. فالكشاف يفعل الشيء نفسه أينما كان وهذا ما يميّز الكشافة.

 

يشرح علي أنّه "في هذه الحرب، أي ثورة 2011، أوّل من نزل إلى الساحات هم الكشافة. لماذا؟ لأننا نستقبل الناس ونساعدهم منذ اليوم الأول" مشددا على الثقة التي يشعر بها الناس تجاه شباب مجتمعهم.

 

الليلة أيضا، سوف تشهد الخطوط الأمامية في  طرابلس المزيد من القصف والدمار والمزيد من التهجير والتشريد للسكان. مع ذلك، من قلب الفوضى والارتباك سيكون الكشافة موجودون ليقوموا بأعمالهم الصالحة كل يوم بيومه.

عن: 
سيمون سبيكمان كوردال