الزمن اللازم للقراءة: 7 دقيقة
الإستقطاب الطائفي في الحرب الأهلية السورية

التكفير والتخوين وسيلة أم غاية!

مقالة
A pro-regime protest in Damascus in 2012.
A pro-regime protest in Damascus in 2012. المصور: zenith magazine

ثار السوريون من أجل الكرامة ودولة القانون، سرعان ما سرق النظام والمعارضة المتشددة أحلام السوريين، وصار الصوت المعتدل عند هذا الطرف كافر وعند الآخر خائن وبكل الأحوال هو...ميت.

أياً كانت الأطراف الدولية المتحاربة على الأرض السوريّة، فإن للسوريين حصتهم في هذا الصراع. إذ إن هذا الصراع الدامي في سورية، قد سحب الغطاء عن حقائق صادمة وشكلاً للعلاقات بين السوريين لم يعتقد الكثيرون أن لها تأثيرا في حياة السوريين، ولعل الأمر الملفت هو: أولاً طريقة ظهور هذه الحقائق في حياة السوريين بعد آذار/ مارس 2011 ، وثانياً: عمق وجودها. أخطر هذه الحقائق، التي سحبت نار الحرب عنها الغطاءً، تتمثل فيما يمكن تسميته أخيرا بالمشكلة الطائفية.

 

لماذا "أخيراً" يمكن تسمية المشكلة بالطائفية؟

 

لفترة امتدت لسنة أو أكثر من زمن الانتفاضة الشعبية على نظام الأسد، حاول الكفاح اليومي للكثير من السوريين إبعاد الثورة عن تشوهات الطائفية، لكن إرادة السلاح، باعتبارها لغة سيئة قامت وبوتيرة متسارعة بطرد الروح الوطنية الجامعة، التي مثّلت اللغة الجيدة في هذا الصراع، و بسرعة ظهرت على السطح وفي العلن، ممارسات من السوريين تجاه بعضهم البعض لم يكن أحد يجرؤ على تخيّلها، حيث اصبحنا نسمع عبارة تمزج الدهشة بالخوف "نعلم أنهم لا يحبوننا لكن لم نكن نعلم أن لديهم هذه الدرجة من الحقد" (والمقصود هنا  السوريين من الطوائف الأخرى ).

 

وهكذا ومع مرور الوقت الدامي، صار السوريون فريقين؛ لا بل فرقاً متناحرة، وصار منطق الـفرق المختلفة والمتناحرة هو المسيطر على توصيف السوريين لبعضهم البعض،   وصارت البلاد مقسّمة بين الـ(نحن) والـ (هم). وبدافع من غريزة البقاء والاستمرار، اضحى الهاجس الأكبر لدى أي من الأطراف المتقاتلة هوالعمل بكل الوسائل من أجل تحقيق  الانتصار على (العدو) الذي يتربص بالحياة والوجود والأرض. وبالطبع فإنه استكمالا لأدوات هذه ( الحرب)، كان لا بد من استعمال سلاح البروباغندا والإعلام،فظهرت الفضائيات المنشغلة على مدار الساعة بالحدث السوري، وفتحت البرامج الحوارية  والصحف،وظهر لدى كل طرف محللين سياسيين  مفوّهين يلقون على الجمهور ما يرغب في سماعه من توصيف قاسٍ للعدو (الآخر من السوريين)، ويرسم صورة الواقع أمام الناس ليصل بهم إلى نتائج كلها تعني حشد مشاعر السوريين نحو استمرار الصراع لأن :الواقع خطير والصراع مرير والمؤامرة كبيرة. وبالطبع فإن النتيجة الأهم التي أراد أطراف الصراع إقناع السوريين بها، هي :أن الصراع بشكله العنفي هو الطريقة الأكثر صوابية للإنتصار.

 

معارضة وموالاة وامتحان تحديد الموقف.

 

منذ بداية الحراك الشعبي ضد نظام بشار الأسد في سورية، أخذت المكونات المجتمعية تتحسس مصالحها، وبناء على هذه المصالح تحدّد موقفها من الحراك الذي، ولأسباب كثيرة، تخلى سريعا عن سلميته وتحوّل إلى صراع دامٍ، بل ربما هو الأشد دمويةً في العصر الحديث. هذا ما أدى إلى تحول المواقف من الصراع إلى مواقف عسكرية  قتالية تحدد شكل العلاقة بين  السوريين، فصارت المواجهة بين طرفين أساسيين هما المعارضة للنظام من جهة والولاء لهذا النظام في الجهة المقابلة، وانتسبت المواقف السياسية إلى طرفين هما المعارضة و الموالاة.

 

هذه الثنائية (معارضة/ موالاة)، وما تفرع عنها من تشكيلات ومواقف سياسية ظهرت لاحقا؛ فرضت على السوريون دخولها، سواء طوعا أو بحكم الوجود ضمن احد الفريقين، مؤيد لنظام الأسد أو معارض له، وهنا لا بد من  إلى وجود فئة من السوريين لم ترضخ لقانون طبيعة الصراع ونَأَت بنفسها عن الانتماء لهذا الطرف أو ذاك، لكن وبكل تأكيد، فإن الفئة الأخيرة هي الأضعف بين السوريين، ويبدو أنها ستبقى على هذا الحال من الضعف وربما التواري إلى أن يصمت السلاح على الأقل.

 

فرق وطوائف وعلمانية:

 

في فترة حكم الأسدين الأب والإبن لسورية، حاول النظام جاهدا وضع نفسه بين الأنظمة العلمانية، لكن ظهر لاحقا أن أدوات هذه العلمانية لم تكن أبدا راسخة في حياة السوريين، ولم تحقق ما تقوم عليه العلمانية من حيث المبدأ أي (فصل الدين عن الدولة). فقد حاول النظام عبر عقود من الزمن تفعيل هذه العلمانية بطريقة الاحتواء والتقرّب من المرجعيات الدينية وإظهار المسافة الواحدة من الجميع، وحرص على عدم إزعاج ما كان يظن أنها ثوابت راسخة لدى السوريين، فأبقى على المرجعية الدينية لقوانين الأحوال الشخصية لكافة الطوائف والأديان، وحافظ على المحاكم الروحية، وحفظ مكانة رجال الدين؛ بل سمح لبعضهم بالتحول إلى مركز جذب اجتماعي وشعبي، كالشيخ البوطي في فترة طويلة من تسعينات القرن الماضي وبدايات هذا القرن. فكانت خلطة عجيبة لمجتمع منفتح ومطيّف بنفس الوقت، علماني بمرجعية دينية، ودولة عصرية حديثة تبدو أنه يسودها القانون، و فيها لشيوخ الدين والعشائر مكانة رفيعة!

 

كل ذلك أوجد التربة الخصبة التي ستنمو فيها سريعا، ومنذ بداية الصراع في سورية، انقسامات في مواقف السوريين من الأزمة السوريّة، التي بدأت بتأييد للثورة أومعارضتها، ثم تأييد النظام أو معاداته، وانتهت بصراع طائفي دامٍ ومتوحش أحيانا، و أصبحت المواقف الحاسمة والشديدة التمييز بين السوريين، بين مؤيد للنظام أو مؤيد للثورة ،هي التي تحدد ملامح المجتمع السوري في الحرب الدائرة، بل يمكن القول أن هذا الإختلاف في المواقف حوّل هذا المجتمع إلى مجتمعات، في كل منها حياة إجتماعية و نظاما إداريا وقانون يحكم وينظم حياة الناس ، مختلف عن الموجود لدى الجهة المقابلة من السوريين.

 

عرض تجريبي/بروفة:

 

بناء على معطيات الواقع ومع السلاح الذي صار صاحب الصوت الأعلى والحضور الأقوى بين السوريين، فقد انتقلت ثنائية معارضة/موالاة إلى مراحل جديدة من التصنيفات والتأثير الفكري الفوقي لصياغة محددات العقل السوري في مرحلة الحرب. كما أن الصراع قد اتخذ صيغة مفاهيم قيميّة عليا حاسمة تساعد الأطراف المتصارعة على التمسك بعنف الصراع. وعليه فقد وصلت المواجهة بين السوريين إلى مرحلة متقدمة من الأحكام الوجودية التي يُبنى عليها مصير الطرف الآخر واستمراره في الحياة أو عدمه.

 

إن هذه الأحكام بإطلاقها وقطعيتها المسبقة، وصلت إلى درجة يتطلب تفكيكها عملا ضخما على درجة عالية من التعقيد. كما أنها باتت مقاييس معيارية يحاكم كل طرف من خلالها ليس الطرف الآخر وحسب، وإنما ذاته وأتباعه على حد سواء. وهذا ما أدى إلى نشوء ما يمكن تسميته بالنظرة الموقعية (أي موقع المرء تبعا لموقفه من الصراع)، والتي ترتبط ارتباطا لا يقبل التجزئة، بفكرة التخوين من جهة والتكفير من الجهة المقابلة، والعكس صحيح.

 

ولعلّ أول ما بدأ به هذا الفرز، كان الفرز والتصنيف ضمن الدائرة الضيقة، أي ضمن العائلة أو القرية أو الطائفة الواحدة، فهذه الولاءات للنظام أو لضده أول ما بدأت بتقسيم المكونات الصغيرة الآنفة الذكر، فالعائلة صارت قسمين والقرية أو الحي ميّزا سريعاً من يخالف مصلحة الجماعة المبنية في أغلب الأحوال على طبيعة الانتماء الديني لها. وبناءً على ذلك، فقد سارعت هذه المكونات الاجتماعية للتخلص من العناصر التي تعكّر صفو وحدة الرأي والموقف الذي اتخذته الجماعة، فمنذ آذار 2011 حاصر مؤيدو النظام كل من بادر لإظهار معارضة – أو ربما (اعتراض) – من العلويين أو غيرهم من أبناء الأقليات، الذين حاولوا تفسير الصراع على أساس اجتماعي – سياسي، في حين كان أولئك "المؤيدين" يسابقون الواقع والزمن لإثبات الطبيعة الطائفية والمؤامراتية (حسب زعمهم) للهجمة الشرسة على سورية والسوريين.

 

لقد سُجلت حالات باتت معروفة عن اعتقال ناشطين علويين أو إسماعيليين أو غيرهم من قبل أجهزة أمن النظام، إضافة إلى العقاب الاجتماعي الذي تعرّض له أمثال هؤلاء من حصار ومقاطعة، ما انتهى إلى دفعهم للهجرة والخروج من مكان إقامتهم أو حتى إلى خارج البلاد بشكل تام، مع اتهام واضح وصريح بالخيانة، خيانة الطائفة أو العائلة، وبالتالي خيانة الوطن ، مضافا إليها اتهاماً لا يقل خطورة، ألا وهو تحميلهم المسؤولية عن دم شباب الطائفة المبذول في سبيل الدفاع عن "الوطن"، ما يعني عمليا توجيه تهمة "الخيانة العظمى".

 

وفي الجهة المقابلة، فقد كان الساعون لإسقاط النظام على عجلة من أمرهم، فلا وقت لديهم لمناقشة البديل، فقد تركوا مسألة شكل الدولة والنظام السياسي في مرحلة ما بعد الأسد، وهي المسألة التي ستحكم المجتمع الطامح للحرية عبر الثورة على نظام قمعي أبعد سورية والسوريين عن الدولة العصرية وحكم المؤسسات. وما تبين لاحقاً أن هؤلاء بالأصل لا يملكون رؤية لهذا المشروع البديل، وهم لا يستطيعون بالفعل السير أو الصمود طويلا في مناقشة فكرة (المجتمع المدني) مع أقرانهم الذين يشاركونهم معارضة النظام، فغاب السلميون خطفاً أو قتلاً أو تهجيراً قسرياً، وبالطبع مع تحريض شعبي ضدهم باتهام بسيط وواضح لكنه خطير جدا هو:العلمانية والكفر هما وجهان لعملة واحدة.

 

رأس حليق بلحيتين:

 

وهكذا اتخذ الصراع شكله النهائي، وانحصر فرسانه رغم تنوّع التسميات والجبهات، بفئتين يعيشان الصراع وفق رؤية أقلوية طائفية، وضعت السوريين في خانتين متقابلتين. أقليات تعتقد أنها تشكل الوجه الحضاري المتمدن لسورية، بمواجهة أغلبية من السنّة المحكومة بغالبيتها بالفكر السلفي الإقصائي، الذي سيعود بسورية إلى أصلها الإسلامي الذي عبث به نظام البعث الطائفي. من هنا ارتسمت وبعمق ملامح الصراع الاجتماعي – السياسي المسلّح بين السوريين:

النظام ومؤيدوه والقوى الدولية الحليفة له، جميعهم وفي كل يوم، يطلقون الإنذارات المدويّة ضد خطر الإرهاب؛ الإرهاب الديني؛ الأصولي؛ السلفي؛ والذي انتهى باختصار إلى "الإرهاب السنّي". مما يعني بأن كل السنّة إرهابيون وكل إرهابي هو سني. إذ اصبحت صورة السلفيين هي المعتمدة للتعبير عن القوى "الشريرة، المأجورة، الوهابية، المموّلة من الخارج" عند الحديث عن المعارضة السياسية أو العسكرية. ومن جهتها فالمعارضة لم تبذل أي جهد لتغيير هذه الصورة، التي صارت أقرب للصورة النمطية لمقاتلي القوات المعارضة التي تسعى للإطاحة بالنظام والعودة إلى البلاد للوراء وإحلال قانون الخلافة المتخلف والمتعصّب محل القوانين العصرية، العلمانية، المتمدنة، فكان التخوين هو الحكم القطعي، الثابت والمطلق الذي أطلقه النظام ومؤيدوه على الإرهابيين السلفيين الذين سيدمرون البلد.

 

في 2 أيار 2013، اجتاح مقطع فيديو، خطير ومؤثر، الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، يحتوي على مشاهد لجنود النظام بلباسهم المعروف ولهجتهم المميّزة وبالأسماء والصور الواضحة وهم ينكلون برجال وشبان قرية البيضا في منطقة رأس النبع في (بانياس) المدينة السنية المحاطة بريف ذو أغلبية علوية. فكان منظر الجنود الذين يقفون على أجساد الرجال من أهالي القرية نموذجا ثابتا اتخذته المعارضة لصورة النظام وموقفه من الطائفة السنيّة التي يشكل أفرادها السواد الأعظم من الشعب السوري.

 

ومع الدعم الواضح الذي تلقاه النظام من معظم أبناء الأقليات في سورية، ولا سيما من الطائفة العلوية التي انضم شبابها إلى العمل المسلح لصالح النظام ضد الأصولية السلفية السنية، فقد اتخذ الصراع ثنائية جديدة صارت واضحة للعيان، وهي ثنائية علوي/سنّي. هذه الثنائية أعادت للسوريين بزخم لأحداث دامية عاشتها البلد في ثمانينيات القرن الماضي أثناء الصراع بين النظام والإخوان المسلمين، الذين أرادوا إسقاط النظام والإمساك بالسلطة.

 

هذا الفرز الثنائي وارتباطه بماضي وحاضر الصراع على السلطة، أتاح وبقوة الفرصة لظهور مفهوم جديد في الصراع السوري – السوري، عَادَلَ بشكل موضوعي مفهوم التخوين الذي أطلقه النظام ضد مناوئيه؛ حيث أطلقت المعارضة وخصوصا إسلامييها حكما قطعيا وحادا على النظام، فكفّرته. وبين هذا التكفير وذاك التخوين، ضاع الصوت السوري الوطني، الذي أطلق الثورة آملا بحياة أفضل، دون ان يصل مراده ويحقق مبتغاه.

 

كافر، خائن، ميت:

 

من دراسة المفهومين، أي التكفير والتخوين، فإننا لا نجد، من حيث عظمة الاتهام، فوارق تذكر وإن اختلفت مرجعية كل منهما. فالتكفير مصدره مخالفة الشرع والتطاول على المقدس الإلهي، وبالتالي استفزاز عقيدة من يحمل بيده البندقية ليلا نهارا ويعمل على حراسة طهرانية الإله من الشوائب التي انتشرت بين العباد، والتي دفعته للجهاد في سبيل إعادة العوام إلى جادة الصواب وسَوْق قطيع الله إلى حظيرة الإيمان. إذ أن من يخرج عن تعاليم الدين، كما يراه ويحدده حارسه وحاميه من وجهة نظره الفردية، لا مفر من أن يعاقب حسب الشريعة. هذا العقاب، الذي يهدف إلى وضع أسس الحياة الشرعية لمجتمع ضال، يأخذ في ظروف الحرب حالته القصوى، والتي غالبا تكون الموت. فهل من رسالة توجه إلى القريب قبل البعيد أقوى من تنفيذ هذا العقاب على نهج السلف الصالح في وضح النهار، في الساحة العامة، أمام الجمهور، بحد السيف، ذبحاً فعلاً وليس تشبيهاً أو مجازاً!

 

وفي الجهة الأخرى،  حيث يتم استكمال العناصر المادية والمعنوية لجريمة التخوين تمهيدا لاطلاقها على كل المعارضين، فإن النظام ومنذ نصف قرن يقوم على الشعارات القومية والتحررية القوية الصدى، شعارات ملأت جدران البلاد بكتابات عن الحلم التقدمي الاشتراكي، العلماني التحرري، المقاوم للصهيونية المغتصبة للأرض وللإمبريالية مصاصة دماء الشعوب، هذا النظام في حربه الحالية عزز هذه الحالة من خلال اطلاق شعارات مقاومة المؤامرة الكونية التي تريد كل قوى الشر في العالم تخريب سورية التي يصفها جنة الله على الارض، هذه المقاومة تتطلب حزما في مواجهة العدو القريب "المعارض للنظام" قبل العدو البعيد الامبريالي والصهيوني، هذا الحزم هو ضرورة لازمة ولا بديل عنها، فالوطن أي (الدولة، المؤسسات، النظام) هم الأهم، و يجب حماية هذا النظام بالمال ودم الأبناء، ومن يتردد في إظهار الحماس للدفاع عن هذه القدسات أو يشارك في الحرب عليها بأي شكل كان فهو خائن، والخيانة درجات لكن في زمن الحرب؛ فإن لها درجة واحدة هي"درجة الخيانة العظمى"، و عقوبة الخيانة العظمى دائما هي الموت.

 

فالتخوين والتكفير هما مفهومان يطالان الآخر "العدو" لكنهما قبل ذلك يحاصران القريب "الصديق"، ومن سخرية واقع السوريين ومرارته، أن نجد المفاهيم الطائفية تتحول في لحظة إلى أفكار عابرة للطوائف. فالمفهومين، من حيث النتيجة، دفاع عن المقدس. وكلاهما يتطلبان من المرء ان يتخلي عن القريب قبل البعيد، وعن الصديق قبل العدو، في سبيل هذا المقدس. فالتضحيات مهما عظمت فهي صغيرة أمام عظمة الله عند من لا يفهمون الله إلا سطوة أو سلطةً عَظيمة. وهي على الجانب الآخر – ومهما كبرت أيضا – فهي واجب في سبيل النظام، عند من لا يرونه إلا وحدة كليّة الوجود ومتكاملة، يموتون معه ويحيون معه. فكلا المفهومين، الراسخين بقوة في مفردات الصراع السوري–السوري، هما دفاع عن الاستبداد وتدجين للموالي قبل المعارض.

 

وهما في النهاية استمرار لحالة حرب لا نهائية، لأن الله موجود في كل اعتقاد فردي لا ينتهي ولا يزول؛ والنظام بالنسبة للكثير من السوريين هو الدولة وصمام الأمان، بغض النظر عن سلبيات وإيجابيات هذه الدولة وطريقة الحكم فيها.

عن: 
إبراهيم شاهين