الزمن اللازم للقراءة: 9 دقيقة
الأسد وصناعة القرار في سوريا

نساء الأسد يقررن مستقبل البلاد

مقالة خاصة
نساء حول الأسد
موردة

لا تستطيع أسماء الأخرس لعب ذات الدور الذي لعبته أنيسة مخلوف؛ ولونا الشبل تحتل صدارة قائمة النساء الأكثر تأثيراً على بشار الأسد وصنع القرار في سوريا.

شهدت سوريا نزاع مسلح امتد لأكثر من ثمان سنوات، كما شهدت البلاد وتيرة عنف حادة، أدت إلى اسوء أزمة انسانية منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة. تشير معطيات الفترة الأخيرة إلى أنه يتم الترويج لفكرة انتهاء الحرب في سوريا، خارجيا وداخليا، خاصة بعد القضاء على أخر معاقل تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في بلدة الباغوز شرق سوريا في آذار/مارس ٢٠١٩.

 

وفي المشهد الدولي، تشهد محادثات ومسارات السلام الدولية حالة من الركود، إلى جانب وجود تخبط في سياسات الدول الكبرى تجاه الأزمة السورية، وعدم وجود استراتيجيات طويلة الأمد واضحة لكل الفاعلين الدوليين. ولكن ما زالت المساعي مستمرة لإنهاء حالة الحرب وإحلال السلم الأهلي والوصول إلى خارطة طريق، يتفق عليها الأطراف المتنازعة من أجل مستقبل أفضل للبلاد.

 

ولكن من هي الشخصيات المؤثرة في صنع القرار في سوريا، وخاصة من جانب النظام؟  وخاصة ان النظام، شئنا أم ابينا؛ أصبح فاعل مؤثر في تنفيذ مخرجات المحادثات الدولية. وبالتحديد بعد ان حسم المعركة العسكرية لصالحه، بفضل الدعم العسكري الروسي.

 

في عام ٢٠١٢، انتشرت بعض المقالات عن أدوار النساء حول الأسد، خاصة بعد ظهور تسريبات مراسلات البريد الإلكتروني الخاصة بالرئيس السوري وزوجته، وتم الكشف عن أسماء بعض النساء اللواتي يؤثرن على اتخاذ القرارات الخاصة بالظهور الإعلامي والرسائل التي يتم توجيها للداخل والخارج السوري، ولكن غابت التحليلات الحديثة لوضع تلك النسوة في صنع القرارات.

 

كانت "بثينة شعبان" أول تلك الأسماء، ولكنها غابت عن المشهد مؤخرا. وقد يرجع ذلك إلى تقدمها في العمر، او ربما لتفوق أخريات في الاستحواذ على الأضواء والمهام معا. تترأس قائمة المؤثرات على اتخاذ القرار في سوريا، ويمكن حتى القول: تحريك بشار الأسد في بعض الأحيان، لونا الشبل. وتأتي بعدها زوجة الأسد، أسماء الأخرس. وتبقى بعض النساء الاتي تم ذكرهن، في المراسلات المسربة، يلعبن أدوار أقل أهمية، مثل هديل العلي وياسمين سعادات الأسد وريمي صقر.

 

لونا الشبل: محركة الدمى وصانعة القرارات

 

لا يمكن الإشارة إلى نساء تؤثر على مستقبل سوريا دون الإشارة إلى لونا الشبل. الإعلامية السورية ذات الأصل الدرزي، التي تحمل شهادة ماجستير في الإعلام من جامعة دمشق.

 

برز اسم لونا الشبل بعد استقالتها من الجزيرة وانتقالها إلى دمشق، لتعمل بمنصب مديرة المكتب الإعلامي في القصر الرئاسي. اختارت الشبل صف النظام حين اندلعت المظاهرات في ٢٠١١. وكان لها ظهور خاص يوم ٢٥ إبريل/نيسان ٢٠١١ على قناة الدنيا الفضائية، القناة السورية الموالية والداعمة لبشار الأسد، وانتقدت الشبل الإعلاميين الذين ثاروا ضد السلطة.

 

في البداية، اقتصر دور الشبل على تقديم النصائح الخاصة بالظهور الإعلامي لبشار الأسد، وتطور دورها حتى تجاوز كل الصلاحيات والنفوذ للمكتب الإعلامي في القصر الرئاسي؛ حتى أصبحت تؤثر على كل مجريات الأزمة السورية، ويتضمن ذلك أدوار سياسية ودبلوماسية بالإضافة لدور رئيسي في تحديد مجريات الأمور المتعلقة بمحادثات السلام ومشاريع إعادة الإعمار.

 

كما كان واضحا في تسريبات ٢٠١٢، فقد كانت الشبل تنصح الأسد بما يخص ظهوره الإعلامي، حرصا على تلميع صورة النظـام للعالم الخارجي، وحشد المؤيدين داخليا حول شخص الأسد. وقدمت له دعمها إعلاميا ضد المعارضة، فحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان: إن وزارة الإعلام، وبناء على "أوامر من المكتب الإعلامي في رئاسة النظام السوري" إنه تم إلزام مراسلي الفضائيات المتواجدة في دمشق بمنع تغطية المؤتمرات الصحفية التي تعقدها شخصيات معارضة في العاصمة السورية، قبل الحصول على إذن خطي منها، بالتوازي مع منعها معارضة الداخل من إقامة مؤتمرات صحفية.

 

تطور دور الشبل من تقديم النصائح إلى تمثيل النظام في بعض الحوارات المحلية، فقد قامت الشبل بالتدخل لإقناع شباب الدروز بالالتحاق بجيش النظام. ولكنها تمادت عندما هددت دروز السويداء بداعش حين رفضوا الانخراط في إراقة دماء السوريين. وذُكر أن الشبل كانت تعنف الشباب، وقامت بإلقاء اللوم عليهم بخصوص خسارة البصرى، على حد قولها. وبحسب تغريدة للإعلامي فيصل قاسم، طلبت لونا من شباب الدروز أن يعودوا "إلى السويداء وتقولوا لكل المتخلفين عن الجيش بأن يلتحقوا فوراً بالجبهات. وعيب عليكم أن تطالبوا بالخدمة فقط في المحافظة. يجب أن تذهبوا إلى دير الزور والغوطة وحلب". والجدير بالذكر، إن بعد رفض مشايخ الكرامة لالتحاق الشباب بالجيش، تم الهجوم على السويداء في يوليو/تموز ٢٠١٨ من قبل تنظيم داعش، وكان ذلك الهجوم من أعنف الهجمات التي شنها التنظيم منذ ظهوره، حيث قتل فيه حوالي ٢١٥ شخص وجرح نحو ١٨٠ آخرين.

 

علاوة على ذلك تم اتهام الشبل حسب "القدس العربي" بتمويل ميلشيات مساندة للنظام السوري في السويداء، ويبلغ تعداد عناصرها قرابة ٤٠٠ عنصر، موجودين داخل مدينة السويداء حصرا، من دون أن يسجل لهم أي وجود في القرى المحيطة، ويقودها نزيه جربوع ابن أحد شيوخ العقل، بتمويل من القصر الجمهوري مباشرة، عن طريق الشبل ومساعدة منصور عزام، وزير شؤون رئاسة الجمهورية.

 

انضمت لونا الشبل إلى الوفد الرسمي السوري للمشاركة في "مؤتمر جنيف" في مدينة مونترو السويسرية، كما شاركت في ترشيح بعض الأسماء لمؤتمرات سوتشي واستانا. وبالتالي لم يقتصر دور الشبل على استراتيجيات إعلامية لتلميع صورة النظام، أو حشد السوريين إلى جانبه، بل شمل أيضا دور دبلوماسي. وبحسب بعض المصادر، لا يقتصر دور الشبل في محادثات السلام على مسار جنيف ولكنها تنخرط أيضا وبشكل قوي في محادثات السلام، غير الرسمية او ما يسمى بـ"المسار الثاني" التي يتم إجراؤها مع المجتمع المدني. فتقوم بتحديد المبادرات "الأنسب" للعمل مع المجتمع المدني السوري ومن يجب ان يحضر جلسات تلك المبادرات.

 

مما لا شك فيه إن الشبل على درجة كبيرة من الذكاء والاطلاع والطموح أيضا، ويُرجح أن الشبل هي وراء الحملة الإعلامية التي شنت مؤخرا في الصحف الموالية للنظام ضد رجل الأعمال السوري "سامر فوز”، التي حملت في طياتها تلميحات عن استغناء النظام عن خدمات فوز. كانت خطوات الحملة واضحة ومدروسة، ولكن أسبابها لم تكن كذلك.  بعض التحليلات ترجح أن سامر فوز استحوذ على اهتمام كبير من الفاعلين الدوليين، وآن الأوان لكبح توسعه وتمدده. حيث أن "فوز" كان من أهم الأسماء المطروحة على الساحة الاقتصادية السورية فيما يخص مشاريع اعادة الإعمار والتحايل على العقوبات الاقتصادية.  وهذا يثير الكثير من التساؤلات حول مدى تدخل لونا الشبل في قرار توزيع الأدوار فيما يخص مشاريع إعادة الإعمار! هل تفضل لونا الشبل أن يقوم رامي مخلوف بمشاريع اعادة الإعمار بدون واجهة، قد لا يمكن السيطرة عليها لاحقا؟ أم مجرد ظهور فوز مع خالد الأحمد، اهم منافسي لونا داخل القصر، جعلها مستعدة لتغييب فوز شخصيا؟

 

أسماء الأسد: سيدة أولى للدعاية

 

أسماء الأخرس ابنة طبيب القلب السوري، فواز الأخرس. ولدت أسماء وتربت وتلقت تعليمها في إنجلترا، ولعل ذلك جعلها تلعب دورا رئيسيا في دعاية النظام للعالم الخارجي، بسبب مظهرها الجيد وتحدثها اللغة الإنجليزية بطلاقة. ومنذ اندلاع الثورة في سوريا، أصبحت أسماء الأسد سيدة أولى للدعاية، تقف بجانب زوجها الرئيس، وتؤمن بما يفعله. ظهرت أسماء الأسد بعد اندلاع الاحتجاجات، في مارس/آذار ٢٠١١ بجانب زوجها في ساحة الأمويين في خطابه الذي تعهد به، أمام حشود مؤيديه، بالقضاء على "المؤامرة" التي يواجهها نظامه. ومنذ ذلك الظهور حتى يومنا هذا، لم تتوانى أسماء الأسد في مؤازرة زوجها وقراراته. ورغم الوعكة الصحية ومرضها بسرطان الثدي، حرصت "الأخرس" على الظهور في الإعلام والترويج للنظام.

 

حتى ان وصل الأمر لظهورها في عدة زيارات لمنازل مصابي وضحايا الجيش السوري، وهي بحالة صحية سيئة للغاية. وعلى ما يبدو ان ظهورها كان يهدف اثارة الاستعطاف أكثر من كونه تضامن مع عائلات الضحايا. كما ظهرت ايضاً في شهر مارس/آذار ٢٠١٨ مع عائلات جنود روس ماتوا في سوريا، مما يؤكد استمرار دعمها لزوجها بعد كل الدمار الذي لحق بالبلاد، وحرصها على استمرارية لعبها دور فعال في العلاقات العامة والترويج الإعلامي للنظام، داخليا وخارجيا.

 

ولعل أكثر التقارير المثيرة للجدل بشأن الأشخاص المؤثرين على الأسد، هي التقارير التي نشرت في ٢٠١٧ عن خلاف بين أسماء الأسد ولونا الشبل، وتداول البعض الإعلاميين عنوان: "حتى أسماء الأسد لم تقدر عليها!" بينهم موسى العمر، ولؤي المقداد. كما نشر "المكتب الإعلامي لقوى الثورة السورية" في يناير/كانون الثاني ٢٠١٨، تقريراً مفصّلاً تحت عنوان "تغيرات وزارة الإعلام.. هل خسرت أسماء الأسد جولة أمام لونا الشبل"، حيث ذكر التقرير حينها إن تغيرات وزارة الإعلام، وإقالة محمد رامز ترجمان، المقرب من أسماء الأسد، وتعيين عماد سارة، المقرب من لونا الشبل، يعتبر "خسارة لأسماء الأسد أمام لونا الشبل".

 

من الواضح ان أسماء لا تلعب دور مشابه لما كان لأنيسة مخلوف، زوجة الأسد الأب، حيث كانت الأخيرة دائما خلف كواليس صنع القرار. ولكن تحاول أسماء دعم زوجها بكل ما تملك من إمكانيات، وإن كان مظهرها وتحدثها الإنجليزية بطلاقة عوامل كانت تساعدها من قبل في القيام بهذا الدور؛ إلا انه لم يعد حكراً عليها، وبات يتدخل في تحديده واقتراحه شخص أخر، مسئول عن وضع استراتيجيات إعلامية في اللحظات الحساسة!

 

هديل العلي: ربطتها بالأسد علاقة حميمية ولكن الأهمية الأكبر كانت لنصائحها

 

يتم تداول اسمها بشكل أقل في الإعلام، ولكن لا يمكن إهمال تأثير نصائح هديل العلي على بشار الأسد. ولدت العلي في القرداحة، مسقط رأس آل الأسد، وهي من الطائفة العلوية. وعندما اندلعت المظاهرات في سورية، رفضت عرضا من جامعة في وارسو واختارت مؤازرة حملة بشار الأسد من أجل البقاء. ونشرت العلي مقالات مؤيدة لبشار "المصمم على تنفيذ الإصلاحات من أجل شعبه"، وهاجمت "العصابات المسلحة التي تحاول ضعضعة الاستقرار في سورية ".

 

استنادا إلى الرسائل المسربة في ٢٠١٢، فعلى ما يبدو إن الرئيس قد أوكل حينها لهديل مهمة تقديم تصور حول تعديلات في إدارة بعض المحافظات السورية، فهي في أكثر من رسالة ترسل أسماءً بعينها تقول إنه يجب إزاحتها واستبدالها بأسماء معينة أخرى، كما هو واضح في احدى الرسائل التي وصلتها من شخص اسمه "حسام" وتتعلق بضرورة استبدال المحامي العام السابق في طرطوس بآخر، وتقترح المحامي كمال جنيات بدلا منه، لتقوم هي بإرسالها إلى الرئيس الأسد. وفي رسالة أخرى تنقل هديل رسالة من الاستخبارات الإيرانية إلى الرئيس، إضافة إلى بعض النصائح للرئيس تتعلق بخطاباته الإعلامية، فتذكر بضرورة خطف الرئيس لراية الإسلام من المعارضة، والتركيز على قضية فلسطين ومقدساتها الإسلامية، والتأكيد على أن الدولة انشغلت بمواجهة المؤامرة، ما أدى إلى التقصير في تلبية حاجات المواطنين السوريين.

 

في إحدى الرسائل التي تم تسريبها في ٢٠١٢، تذكر العلي إنها تحدثت مع شخص اسمه الدكتور عمار، تبين لاحقا أنه عمار ساعاتي، زوج لونا الشبل الحالي، رئيس اتحاد طلبة جامعات سوريا في وقتها، الذي أبدى استياءه من طريقة معالجة بعض الأحداث داخل الجامعة من قبل من أطلقت عليه اسم "خالد"، وعلى الاغلب ان المقصود كان "خالد الأحمد" الذي يوافي الرئيس الأسد بتطورات الحالة الأمنية في البلاد.

 

وبالرغم من عدم توافر المعلومات الكافية، ولكن يبدو إنه لم يحدث تغيير كبير في دائرة مستشاري الأسد، ولكن التغيير طرئ فقط في علاقات القوة والمهام والأدوار الموزعة بين تلك الشخصيات!

 

شهرزاد الجعفري وياسمين سعادات الأسد وريمي صقر: ترويج للنظام في دول اجنبية

 

اعتمد الأسد منذ بداية الأزمة على التعاقد مع شركات دعاية عالمية للترويج له في الخارج. وبالتالي، ظهرت عدّة أسماء تساعد الرئيس على تعزيز تلك المجهودات، ومن أبرزهم كانت شهرزاد الجعفري، ابنة السفير السوري في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، التي عملت بعد اندلاع الثورة كمستشارة متطوعة للرئيس. ساعدها في القيام بدور المستشارة عملها كمتدربة سابقة في شركة "براون ليودز جايمس" الأمريكية للعلاقات العامة؛ إلى جانب عملها في اليونيسيف. ولكن الرسائل المسربة اشارت إلى أن "الجعفري" لم تكن على وفاق مع "لونا الشبل"، ولعل ذلك كان سببا لتواريها عن المشهد.

 

ياسمين سعادات الأسد وريمي صقر تقيمان في استراليا وظهرتا بقوة في حملة "ارفعوا ايديكم عن سوريا"، التي نشطت خاصة في أعقاب مجزرة الغوطة الكيمياوية، بهدف الترويج لنظام الأسد ودعمه. وتحمل الأولى إجازة في التسويق، وتعمل في مجال خدمة العملاء والعلاقات العامة. وتسعى الثانية جاهدة لدعم النظام والترويج له في شوارع سيدني. ولا شك أنهما لن يتوانيا عن ترويج رسائل النظام، مهما كانت تلك الرسائل!

 

أخيرا، تعددت النساء حول بشار الأسد، وتمحور الدور الرئيسي لهن حول "استشارات بشأن الترويج للنظام داخليا وخارجيا"!

 

ويمكن القول انه ستظل دائما صناعة الأمجاد الواهية وترويج الانتصارات المزيفة وسيلة الأنظمة الديكتاتورية. ولكن لا يمكن اغفال الأدوار التي تقوم بها النساء المحيطة بالأسد.

عن: 
مجدولين هرمينا